السودان الذي نريد بِقَلَمِ: عَبَّاس الخِدِيوِي

🔹في كل مرحلة فارقة من تاريخ الأمم يطلّ السؤال الجوهري: أي وطن نريد؟ ولعلّ السودان، بما شهده من صراعات وتحوّلات وانكسارات، أحوج ما يكون اليوم إلى استدعاء هذا السؤال، لا بوصفه ترفًا فكريًا أو أمنية عاطفية، بل باعتباره مشروعًا وطنيًا جامعًا يعيد صياغة الحاضر ويرسم ملامح المستقبل.
🔹إنّ السودان الذي نريد ليس يوتوبيا معلّقة في سماء الخيال، وإنما رؤية واقعية تتكئ على جذور التاريخ، وتستنطق دروس المحن، وتستثمر تنوّع الأرض والإنسان. وطنٌ يخرج من نفق الانقسام إلى رحاب الوحدة، ومن ضجيج السلاح إلى سكينة القانون، ومن عبث المصالح الضيقة إلى رحابة المصلحة الوطنية.
أولًا: في السياسة والحكم:
🔹نريد سودانًا تُشيَّد مؤسساته على ركيزة المواطنة المتساوية، فلا فضل لجهة على أخرى، ولا امتياز لقبيلة أو طائفة. دولة يحكمها دستور متوافق عليه، ويُدار شأنها العام وفق حكم ديمقراطي رشيد يضمن التداول السلمي للسلطة، ويكفل حرية الرأي والتنظيم، ويُعلي من شأن الشفافية والمساءلة.
ثانيًا: في الاقتصاد والتنمية:
🔹نريد سودانًا ينهض على اقتصاد منتج يحرّر البلاد من أسر الاستهلاك والاعتماد على الخارج. بلد يستثمر أراضيه الزراعية الخصبة، وثرواته المعدنية البكر، وموارده الحيوانية الضخمة، ليبني نهضة متوازنة تعيد الاعتبار للريف، وتحقق العدالة في توزيع الثروة، وتُشجّع الصناعة الوطنية القائمة على القيمة المضافة بدلًا من تصدير المواد الخام بأبخس الأثمان.
ثالثًا: في المجتمع والإنسان:
🔹نريد مجتمعًا يتأسس على التسامح والتعايش، تُصان فيه الكرامة الإنسانية، ويُحترم فيه التنوع الثقافي والديني. نريد تعليمًا حديثًا ومجانيًا يربط بين المعارف النظرية ومقتضيات الحياة العملية، وصحةً شاملة تضمن العلاج لكل مواطن. نريد شبابًا مُمكَّنًا ونساءً شريكات في القرار، لأنّهما معًا رافعتا النهضة ووقود المستقبل.
رابعًا: في الأمن والسيادة:
🔹نريد جيشًا وطنيًا مهنيًا واحدًا، يحمي الحدود والدستور ولا يتدخل في السياسة. أجهزة أمنية وشرطية تعمل في إطار القانون وتحترم حقوق الإنسان. نريد عدالة انتقالية تُنهي دورات الانتقام وتُعيد اللحمة الوطنية، لتصبح المصالحة الشاملة مدخلًا إلى الاستقرار.
خامسًا: في الثقافة والهوية:
🔹نريد هوية سودانية جامعة، تُعانق التعدد اللغوي والثقافي دون إقصاء أو تهميش. نريد ثقافة تصالحية تعيد للأدب والفنون دورهما في صناعة الوعي الجمعي، وتربط بين الإبداع والتنمية، وبين التراث والتحديث.
سادسًا: في السياسة الخارجية:
🔹نريد سياسة خارجية متوازنة، تُقدّم المصلحة الوطنية على الاصطفافات الضيقة، وتُرسّخ دور السودان كجسر بين إفريقيا والعالم العربي، وكقوة فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي، دون تفريط في السيادة أو خضوع للتبعية.
🔹إنّ السودان الذي نريد هو وطن آمن، عادل، مزدهر، لا يختزل مواطنيه في قبائل أو طوائف أو جهات، بل يراهم جميعًا شركاء في بناء بيت واحد. وطنٌ يُحسّ فيه المواطن أنّه ليس مجرد تابعٍ بلا صوت، بل فاعلٌ في صناعة مصيره، ومشارك في صياغة غده.
🔹فالسودان، حين ينهض على أسس العدالة والعقل والكرامة، لا يكون وطنًا نريده نحن فحسب، بل وطنًا يريده التاريخ ذاته، ويُريده أبناؤه أجيالًا بعد أجيال.
حديث الكرامة كالوقي ..بشاعة المجازر تهز صمت المنابر الطيب قسم السيد
يبدو أن السودان قد احكم خطته لتعزيز مساره الدبلوماسي، بنهج فاعل ومؤثر،عبر المنابر الدولية …





