‫الرئيسية‬ مقالات ما وراء البحار بقلم: عباس حمدون “تأثير محتوى نشطاء الميديا على الصعيدين السياسي والاجتماعي [مهنة البوكو حلال]”
مقالات - ‫‫‫‏‫3 ساعات مضت‬

ما وراء البحار بقلم: عباس حمدون “تأثير محتوى نشطاء الميديا على الصعيدين السياسي والاجتماعي [مهنة البوكو حلال]”

ما وراء البحار بقلم: عباس حمدون    “تأثير محتوى نشطاء الميديا على الصعيدين السياسي والاجتماعي [مهنة البوكو حلال]”

٢٥-١٠-٢٠٢٥
في السنوات الأخيرة، برزت فئة جديدة من صُنّاع المحتوى تُعرف بـ [اللايفاتية]. هؤلاء جعلوا من البث المباشر مهنة ومصدر رزق، يعتمدون على عائدات المشاهدات والتفاعل الإلكتروني. لا يحتاج هذا العمل إلى شهادات أكاديمية أو خبرات مهنية، بل إلى صوتٍ عالي والقدرة على التأثير والجدل، وأحياناً إلى مهارة في افتعال الفتن بين الإثنيات والطوائف. ومع شيءٍ من التنازل عن المبادئ الأخلاقية، تُصبح المهنة قابلة للممارسة الفعلية.

ينتشر أغلب هؤلاء في دول أوروبا وأمريكا وكندا، حيث تمنحهم القوانين هناك مساحة واسعة لحرية التعبير، فيبثّون أفكارهم دون قيود تُذكر، طالما أنهم لا يخالفون قوانين تلك البلدان أو اتفاقية الأمن السيبراني للاتحاد الأوروبي. لكنّ هذه الحرية تحولت في كثير من الأحيان، إلى منصة للفوضى، فخرج بعضهم من دائرة النقد البنّاء إلى ترويج أفكار هدامة تخدم الصراع لا الوعي، وتؤذي الأوطان سياسياً، والمواطنين اجتماعياً، خصوصاً في أوقات الحرب.

وفي المقابل، هناك من اختار مساراً مختلفاً؛ فالبعض يقدّم محتوى ترفيهياً أو كوميدياً أو علمياً، أو يشارك تجاربه الشخصية بعيداً عن التوتر والتحريض، أو على نهج محتوى [كاشات] الذي يعيد عرض المنتج بعد انتهاء صلاحيته. هؤلاء يُعدّون الوجه الإيجابي للمهنة، يساهمون في الترفيه والتثقيف، لا في إشعال الحرائق.

غير أنّ الفئة الأخرى، التي اختارت أن تتاجر بالفتن وتُشعل الصراعات القبلية والسياسية، وجدت في أزمات الشعوب فرصة ذهبية للانتشار. أولئك الذين أسميتهم بـ [أصحاب مهنة البوكو حلال]، لا يكتفون بنقل الأحداث وتحليلها، بل يتلذذون بمشاهد الدماء، ويتغذّون على الكراهية، مستعملين لغة حادة وتحريضية تلهب المشاعر وتثير الغضب. ومع مرور الوقت، صار الجمهور يعتمد على بثّهم المباشر كمصدرٍ رئيسي لمعرفة ما جرى بالأمس، وما قد يجري غداً، كأن مستقبل البلاد يُقرأ من لايف مباشرة عبر شاشاتهم.

بهذه الطريقة، تحوّل اللايف إلى أفيون رقمي يُغذّي الصراعات الداخلية، ويدمنه المقاتل والمشاهد على حدّ سواء. صار هؤلاء يفسدون السلام الداخلي للمتلقي، فينصرف عن البحث عن الحقيقة، ويستسلم للجدل والإثارة، ولو كان المحتوى مليئاً بالشتائم والتخويف والكراهية.

من الناحية القانونية، يخضع أصحاب البث المباشر في السودان لقانون جرائم المعلوماتية، الذي عُدّل مؤخراً لتشديد العقوبات على نشر الأخبار الكاذبة أو التحريض على العنف أو الإساءة للآخرين. كما تعمل أنظمة الأمن السيبراني كآلية وقائية لحماية الفضاء الرقمي من الانتهاكات، عبر مراقبة المحتوى وضبط المخالفين لمحاربة الجريمة الإلكترونية قبل وقوعها.

أما منصات التواصل الاجتماعي، فهي تفرض عقوباتها الإدارية الخاصة، كإيقاف البث أو إغلاق الحسابات، لكنّ كثيراً من هؤلاء يتجاوزون تلك العقوبات الإدارية بإنشاء صفحات جديدة، أو يطلقون نداء الفزع إلى متابعيهم طالبين [الشير والملصقات] لتقوية البث والاستمرار في الجريمة. وهكذا يدخلون في صراع مستمر مع القانون والمجتمع.

وكما يقول المثل: [المحرّش ما بقاتل]، إلا أن المحرّش القادم من هذا العالم الرقمي يقاتل بالكلمة والصورة وهو داخل ميدان المعركة، ويؤثر بعمق في الوعي الجمعي، حتى ليبدو كأنه يخوض حرباً ضد المستعمر.

وحين يكتب التاريخ عن كوارث حرب أبريل السودانية، لا بد أن يلتفت المؤرخين إلى هذه الفئة من اللايفاتية. فهم لم يكونوا مجرّد ناقلين للأحداث، بل شركاء في صناعتها، ومساهمين في تأجيج نار امتدت من الشاشات إلى الشوارع.

‫شاهد أيضًا‬

تلوث بيئي يهدد سكان كافوري مربع (1) ولجنة الإعمار تطلق نداء عاجلا لوزارة الصحة

أطلقت لجنة مبادرة إعمار حي كافوري مربع (1) نداء عاجلا إلى وزارة الصحة الاتحادية ووزارة الص…