خواطر ابن الفضل حين يضعف اليقين.. تتكلم الخرافة! لماذا يلجأ الناس للسحر والمشعوذين؟ د. محمد فضل محمد

اكاديمي واعلامي سوداني
لم تكن ظاهرة السحر والشعوذة يومًا مجرد انحراف ديني، بل هي مرض اجتماعي، وجرحٌ يمزّق ثقة الإنسان بربّه، ويهدم الأمن النفسي والمجتمعي. ومع الأسف، ما يزال بعض الناس يلجؤون إلى السحرة والدجالين طلبًا للشفاء أو حلّ المشكلات الزوجية والمالية والاجتماعية، فيغرقون في أوهام وخرافات تُدمّر حياتهم بدل أن تصلحها.
*دافع الجهل وضعف الإيمان*
أهمّ أسباب الانجراف وراء السحر هو ضعف التوحيد والتوكل على الله، وجهل الناس بقدرة الله وحكمته؛ فمن اعتقد أن غير الله يملك النفع والضر، فقد خالف أصل الدين قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ (الجن: 6) وقال سبحانه محذرًا من السحر وبيانًا لضرره: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 102) وقال النبي ﷺ: «من أتى عرّافًا أو كاهنًا فسأله عن شيء فصدقه، فقد كفر بما أُنزل على محمد» رواه أحمد فالذهاب إلى هؤلاء جريمة في حق العقيدة، واعتداء على صفاء الإيمان.
*لماذا ينجذب الناس إليهم؟*
ينجذب الناس للسحرة والمشعوذين لعدة دوافع، من أهمها:
١. ضعف اليقين بالله والبحث عن حلول سريعة
٢. الجهل الشرعي وعدم معرفة حكم السحر وخطورته
٣. الأزمات النفسية والاجتماعية وعدم وجود دعم علاجي أو أسري
٤. الطمع وحب الانتقام والسعي للإضرار بالآخرين
٥. الخوف من المستقبل والحسد والوهم
ولو استقر الإيمان في القلوب لعلم الناس أن الله وحده بيده ملكوت كل شيء، قال تعالى:﴿إِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الأنعام: 17)
*أين وسائل الإعلام؟ وأين مؤسسات الحماية؟*
بدل أن تكون بعض وسائل الإعلام منارات وعي، أصبحت منصات لمن يروّجون للسحر والعلاجات الوهمية، يبثون الخوف في الناس ويروّجون للخرافة والتهديدات الماورائية، حتى أصبح بعضهم نجوماً تتحدث عنهم الجماهير!
أين المنصات التي تدّعي حماية الإنسان وحقوقه؟
أليس تخويف البسطاء والمتاجرة بآلام المرضى انتهاكًا إنسانيًا خطيرًا؟ أليس غسل العقول أخطر من أي اعتداء جسدي؟
إن ترك هؤلاء يفسدون العقول والقلوب خيانة للمجتمع، وتضييع للأجيال.
*مسؤولية العلماء والمجتمع*
على علماء الشريعة والاجتماع والإعلاميين مسؤولية عظيمة في كشف هذه الجرائم الفكرية، وتعزيز قيم الإيمان والتوكل، فقد قال ﷺ: «احفظ الله يحفظك»
*وهذا هو الطريق:*
١. التوعية بخطورة السحر والكهانة
٢. وضع رقابة إعلامية صارمة لمنع الترويج للخرافات
٣. تعزيز الإيمان واليقين بالله في المناهج والمساجد والإعلام
٤. دعم العلاج الشرعي والنفسي والمجتمعي السليم
*الحقيقة الكبرى*
لا أحد يستطيع أن يدخل في ملك الله، ولا أن يضر أو ينفع إلا بإذنه؛ فالمؤمن يعلم أن قدر الله نافذ، وأن الأرزاق والآجال بيده وحده، قال تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 51)
*خاتمة*
إن الحرب على السحر والمشعوذين ليست حربًا على أشخاص، بل على الجهل والخوف والوهم.
هي معركة لحماية العقول، وإحياء التوحيد، وترسيخ الثقة برب العالمين.
فليعلم كل مؤمن أن الله هو الكافي، وأن من توكل عليه كفاه، ومن لجأ لغيره أضله وخذله يقول تعالى
(وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [ الطلاق،٣]
محجوب أبوالقاسم يكتب الرسالة وصلت..حين يتكلم الشعب
لم يكن يوم أمس 13 ديسمبر 2025م يوما عابرا في تقويم الأحداث بل كان فاصلا بين مرحلتين وعنوان…





