‫الرئيسية‬ مقالات خواطر ابن الفضل السودان خارج التصنيف العالمي للتعليم… جرس إنذار لوطنٍ أنهكته الحرب د. محمد فضل محمد
مقالات - ‫‫‫‏‫أسبوعين مضت‬

خواطر ابن الفضل السودان خارج التصنيف العالمي للتعليم… جرس إنذار لوطنٍ أنهكته الحرب د. محمد فضل محمد

خواطر ابن الفضل  السودان خارج التصنيف العالمي للتعليم… جرس إنذار لوطنٍ أنهكته الحرب  د. محمد فضل محمد

في سابقة مؤلمة، خرج السودان من التصنيف العالمي لجودة التعليم في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس لعام 2024، ليجد السودانيون أنفسهم أمام صفعة جديدة تُضاف إلى سلسلة الخسائر التي خلفتها الحرب. لم يكن هذا السقوط مفاجئًا لمن تابع حجم التدهور الذي أصاب قطاع التعليم في السنوات الأخيرة؛ لكنه كان كافيًا ليهز الوجدان الجمعي لبلد طالما كان مصدر فخر في مجال التعليم، وتميّزت مخرجاته في المحافل العربية والدولية.

فالسودان الذي قدّم نماذج مشرّفة في الطب والهندسة والعلوم والآداب، وصنع سمعة أكاديمية مرموقة، يجد نفسه اليوم خارج الخارطة، بعد أن كان ينافس في مقدمة الدول الأفريقية والعربية.

*منارة انطفأ نورها*

إن الحرب التي أشعلتها الميليشيات المسلّحة لم تدمر المباني فقط، بل ضربت جوهر العملية التعليمية. فالدراسة تعطلت لأكثر من ثلاث سنوات، وتحوّلت الحياة المدرسية والجامعية إلى مشهد من الانقطاع والضياع. تشير تقارير منظمة اليونيسف إلى خروج ستة ملايين طفل من التعليم، في أكبر أزمة تعليمية تشهدها البلاد منذ الاستقلال.

ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد؛ فقد تحولت منشآت جامعية عريقة إلى ثكنات عسكرية، بينما دُمّر ما يزيد على 1,800 مدرسة وجامعة بشكل ممنهج، بحسب تقديرات منظمات الأمم المتحدة. أُحرقت المخابر ونهبت المكتبات، وتحوّلت الأصول الأكاديمية إلى غنائم حرب.

وفي ظل هذا الخراب، وجد آلاف الأساتذة والباحثين والطلاب أنفسهم مضطرين للهجرة حيث تشير الأرقام إلى أن أكثر من 21 ألف أكاديمي غادروا البلاد، تاركين فراغًا معرفيًا هائلًا يهدد أجيالًا كاملة. وفي الخرطوم ودارفور وكردفان، انقطع نحو 70% من الطلاب عن المؤسسات التعليمية بسبب انعدام الأمن ونقص المرافق والخدمات.

وهذه الأوضاع الكارثية جعلت السودان خارج التصنيف العالمي؛ فالتعليم لم يعد قادرًا على أداء دوره، والبنية الأساسية لم تعد موجودة، والكوادر المؤهلة هجّرت، والطلاب توزّعوا بين النزوح والبحث عن الأمان. وهكذا، بدا واضحًا أن الأزمة ليست ظرفية، بل محاولة متعمدة لضرب العقل السوداني وإطفاء نور المعرفة، لأن الأمم لا تُهزم إلا إذا هُزم وعيها.

*بين الخراب والتقدم… مقارنة موجعة*

بينما يغادر السودان مؤشر التعليم العالمي، تتقدم دول عربية أخرى بخطوات واسعة في ذات المؤشر. فقد حققت قطر والإمارات والسعودية والبحرين والأردن ولبنان مراكز متقدمة، مستثمرة في التعليم أداءً وتمويلاً وجودة. والنتيجة مفارقة صارخة دول تخرج من التصنيف بسبب الحرب، وأخرى تتصدر بسبب التنمية.

وفي المقابل، يقف السودان إلى جانب دول أنهكتها الصراعات مثل ليبيا والصومال وسوريا واليمن. هذا التفاوت الحاد يعكس حجم الفجوة بين الدول التي تراهن على العقل، وتلك التي تغرق في دوامة السلاح.

*ما بعد الحرب… أي مستقبل ينتظر التعليم؟*

مع اقتراب الحرب من نهاياتها، يبرز سؤال محوري: كيف يمكن إعادة السودان إلى خارطة التعليم العالمية؟ وما هي الخطوات التي ينبغي اتخاذها لتجاوز هذا السقوط المدوي؟

الحل يبدأ بإعادة تعريف التعليم كأولوية وطنية قصوى، وليس مجرد قطاع خدمي. فالشعوب التي تنهض من تحت الركام تبدأ أولًا بتعليم أبنائها، لأن بناء الإنسان يسبق بناء الحجر.

*خارطة طريق لإحياء التعليم*

يتطلب إنقاذ التعليم خطة متعددة المحاور، تبدأ ببرنامج وطني شامل لإعمار المدارس والجامعات المدمرة، مع اعتماد خطة هندسية موحدة، وتفعيل الشراكات مع الصناديق العربية والإقليمية لتمويل إعادة البناء. كما ينبغي رفع الإنفاق الحكومي على التعليم تدريجيًا، ومنح المؤسسات التعليمية استقلالًا ماليًا وإداريًا يضمن فعالية التشغيل والاستدامة.

وفي الجانب الاجتماعي، لا يمكن بناء مستقبل تعليمي دون إعادة دمج ملايين الأطفال خارج المدرسة، عبر برامج دعم نفسي واجتماعي، وتوفير مدارس متنقلة في مناطق النزوح، ووجبات مدرسية وحماية اجتماعية تشجع الأسر على إعادة أبنائها للتعليم.

 

أما على مستوى الجودة، فإن تأسيس مركز وطني لمراقبة الأداء وتطبيق معايير الجودة الدولية بات ضرورة، إلى جانب رقمنة الاختبارات والبيانات، واعتماد اختبارات معيارية تقيس مخرجات التعليم بانتظام.

ولا يمكن تجاهل الدور الدولي؛ ففتح أبواب الشراكات مع دول تمتلك خبرات راسخة في التعليم سيساهم في تطوير المناهج والتدريب والتقييم، وإدماج الجامعات السودانية في الشراكات البحثية وبرامج التبادل الطلابي.

كما أن عودة الكفاءات السودانية في الخارج تمثل حجر زاوية في الإعمار العلمي. ويمكن تحقيق ذلك عبر حوافز مالية ومعيشية، وتحسين شروط التعاقد، وضمان بيئة آمنة ومحفزة.

*مناهج لعقل جديد*

يتطلب السودان مناهج حديثة تُواكب القرن الواحد والعشرين، وتدمج مفاهيم التفكير النقدي، والمهارات الرقمية، والابتكار، وريادة الأعمال، ومهارات المستقبل. فبناء وطن جديد يبدأ من عقل جديد، وهذا العقل لا يتشكل إلا عبر تعليم حديث يلامس واقع العصر وتحدياته.

*معركة التعليم هي معركة السودان الحقيقية*

إن خروج السودان من التصنيف ليس مجرد رقم، بل تحذير بأن جيلاً كاملًا يواجه خطر الضياع. الحرب ستنتهي، لكن آثارها على التعليم ستبقى طويلاً ما لم يبدأ الإصلاح سريعًا. فالتعليم ليس رفاهية… بل هو المعركة الحقيقية التي ستحدد مصير السودان لعقود قادمة.

‫شاهد أيضًا‬

حديث الكرامة كالوقي ..بشاعة المجازر تهز صمت المنابر الطيب قسم السيد

يبدو أن السودان قد احكم خطته لتعزيز مساره الدبلوماسي، بنهج فاعل ومؤثر،عبر المنابر الدولية …