شيء للوطن م.صلاح غريبة صرخة السيادة: البرهان يحدد مسار السودان بين إنكار الإخوان وضرورة نزع سلاح الميليشيات

Ghariba2013@gmail.com
تُمثّل تصريحات الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، في لقائه مع قناتي “العربية” و “الحدث”، خارطة طريق واضحة وقوية تعكس وجهة نظر المؤسسة العسكرية إزاء الأزمة الراهنة والمستقبل السياسي للبلاد. وقد جاءت التصريحات لتضع خطوطاً حمراء فاصلة وتُعيد تأكيد الثوابت الوطنية في مواجهة التحديات الداخلية والمبادرات الخارجية.
أولى الرسائل الجوهرية التي حملها اللقاء كانت تلك المتعلقة بـ تنقية المشهد من الشوائب السياسية الملتصقة بالماضي. فكان نفيه القاطع لوجود “الإخوان المسلمين” في حكم السودان أو في صفوف الجيش والدولة بمثابة دحض صريح لما وصفها بـ “إشاعة من جهات محددة لأغراض محددة”. هذا النفي يهدف إلى عزل المؤسسة العسكرية عن الاتهامات الموجهة لها بالتبعية للتيارات الأيديولوجية، وتقديم الجيش بصفته مؤسسة وطنية بعيدة عن التسييس.
بالتوازي، أكد البرهان على حماية مكتسبات “ثورة ديسمبر العظيمة عام 2019م”، مشدداً على أن النظام السابق لن يُسمح له بالعودة مُجدداً لحكم السودان، وهو ما يُعتبر تعهداً بعدم التراجع عن التغيير الذي أحدثته الثورة. هذا الربط بين رفض عودة النظام السابق ورفض عودة قوات الدعم السريع، يُصوّر الأخير كـ تهديد مماثل يهدف إلى إجهاض إرادة الشعب والثورة. كما شدد على إبعاد أي فرد “يشتغل بالسياسة” من داخل الجيش، في محاولة لوأد أي ذرائع لاستعداء الآخرين على الدولة السودانية.
فيما يخص الحرب المستعرة، أوضح البرهان أن الحرب “فُرِضت علينا” وأن القوات المسلحة ستذهب فيها “للنهاية”، مؤكداً في الوقت ذاته على الانفتاح على فرص السلام لتجنيب البلاد الدمار. لكن هذا الانفتاح لم يكن بلا شروط، فقد وضع حجر الزاوية للمفاوضات بالقول: “يجب أن يسبق أي هدنة ووقف إطلاق النار وضع السلاح وانسحاب الميليشيا”.
هذا الموقف الصارم ينبع من قناعة البرهان بأن “المليشيا لا يمكن أن يكون لها وجود” في مستقبل السودان، مستدلاً على ذلك بالدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمستشفيات، وهروب المواطنين من المناطق التي تتواجد فيها قوات الدعم السريع، ما يُعطّل الحياة ويمنع وصول الإغاثة. ومن هنا، فإن حلّ الموضوع العسكري أولاً، عبر تجميع الميليشيا في مناطق محددة ونزع سلاحها، هو المدخل الضروري الذي يسبق أي انخراط في حل سياسي، لأن الشعب السوداني لن يقبل أو يتعايش مع “متمردين مجرمين”.
تطرّق البرهان بإيجابية إلى المبادرة السعودية الأمريكية، شاكراً الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترامب على جهودهما، ومرحباً بهما ومؤكداً الاستعداد للتعاون معهما “لأبعد حد”. إلا أنه وضع شرطاً أساسياً لنجاح هذه المبادرات: “يجب أن يستمعوا لنا”.
القيادة السودانية متمسكة بالمبادرة، لكنها تؤمن بأن “المبادرات الأحادية قطع شك ليس لها فرص للنجاح”. هذا التأكيد يضع مسؤولية على الوسطاء للتعامل مع المطالب السودانية بجدية، خاصةً فيما يتعلق بضرورة نزع سلاح الميليشيات كخطوة أولى. إن مطالبة البرهان بالاستماع إليهم هو دعوة لـ احترام السيادة الوطنية ووضع الحقائق على الأرض كأولوية للمفاوضات، بدلاً من فرض حلول قد لا تضمن استقرار البلاد على المدى الطويل.
في المحصلة، يخرج لقاء البرهان بـ ثلاث رسائل رئيسية موجهة للداخل والخارج:
الجيش ليس سياسياً: تبرئة المؤسسة العسكرية من التسييس والتبعية الأيديولوجية، وتأكيد التمسك بالانتقال الديمقراطي ورفض عودة النظام السابق.
لا تفاوض قبل السيطرة: وضع شرط نزع سلاح الميليشيات وانسحابها كمدخل وحيد لأي هدنة أو حل سياسي، معبراً عن إرادة الشعب السوداني الذي “يطلب السلام ولا يريد وجوداً للمليشيات”.
المبادرة بمشاركة: تثمين المبادرات الدولية مع التأكيد على ضرورة أن تكون شاملة وتستجيب للمطالب الوطنية لضمان نجاحها.
إن خطاب البرهان، الذي يرى نفسه معبراً عن رغبة المجتمع المدني والشعب في دحر الميليشيا، يضع الكرة في ملعب الوسطاء، مشدداً على أن استقرار السودان يبدأ من استعادة سيادة الدولة عبر حصر السلاح في يد القوات المسلحة، والاعتراف بأن هذا هو المطلب العسكري الذي سيفتح الباب للحل السياسي المنشود.
حديث الكرامة كالوقي ..بشاعة المجازر تهز صمت المنابر الطيب قسم السيد
يبدو أن السودان قد احكم خطته لتعزيز مساره الدبلوماسي، بنهج فاعل ومؤثر،عبر المنابر الدولية …





