حديث الساعة الهام سالم منصور السودان بين عواصف السياسة وضغوط الاقتصاد وتحديات الأمن… قراءة تحليلية شاملة في مشهد معقد

يمر السودان اليوم بمرحلة تُعد من أخطر وأعمق المراحل في تاريخه الحديث؛ مرحلة تتداخل فيها السياسة مع الاقتصاد، والأمن مع المجتمع، في لوحة واحدة ممتدة يصعب فصل مكوناتها عن بعضها. ومع استمرار الحرب وتعدد مراكز القرار، أصبح تحليل المشهد ضرورة وطنية لمعرفة مآلات الطريق، ومستقبل الدولة، وحدود قدرتها على الصمود أو الانهيار.
أولًا: المشهد السياسي… دولة في اختبار وجودي
السياسة في السودان اليوم ليست مجرد صراع على سلطة، بل هي معركة حول بقاء الدولة نفسها. فقد أدى اتساع رقعة الحرب إلى تراجع مؤسسات الدولة وتآكل بنيتها الإدارية، ما خلق فراغًا سياسيًا تحاول أطراف متعددة ملأه بوسائل مختلفة.
يتسم الوضع السياسي بثلاث سمات رئيسية:
1. تعدد مراكز السلطة
وجود عدة قوى مسيطرة على الأرض جعل القرار الوطني موزعًا بين جهات مختلفة، وهو ما أعاق أي تقدم في مسار التفاوض أو بناء مشروع وطني جامع.
2. التدخلات الإقليمية والدولية
الأجندات الخارجية أصبحت عاملًا مؤثرًا في المشهد السياسي نتيجة:
موقع السودان الحيوي في البحر الأحمر
ثرواته الطبيعية
تأثيره على دول الجوار
هذه التدخلات تزيد من تعقيد الوصول إلى حل وطني خالص.
3. غياب مشروع جامع
ورغم كثرة المبادرات، لا تزال البلاد تفتقر لبرنامج سياسي موحد يحدد شكل الدولة المقبلة ويقود الانتقال من الفوضى إلى الاستقرار.
ثانيًا: الاقتصاد السوداني… انهيار يهدد ما تبقى من الدولة
إذا كان المشهد السياسي ضبابيًا، فإن المشهد الاقتصادي قاتم بدرجة أكبر. فالاقتصاد السوداني يعيش أسوأ حالاته منذ الاستقلال.
1. توقف عجلة الإنتاج
الحرب عطّلت:
الزراعة
المعادن
الصناعة
النقل والتجارة
ما تسبب في انكماش اقتصادي غير مسبوق.
2. انهيار قيمة الجنيه
أدى تدهور العملة إلى موجة تضخم هائلة رفعت الأسعار إلى مستويات لا تطاق وأدخلت ملايين الأسر في دائرة الفقر.
3. فقدان الدولة لإيراداتها
الجمارك، الضرائب، صادرات الذهب… كلها تراجعت إلى مستويات خطيرة، ما جعل الدولة عاجزة عن تسيير خدماتها الأساسية.
4. انقطاع سلاسل الإمداد
الطرق غير آمنة، والسلع لا تصل، والدواء والغذاء أصبحا أزمة يومية، خصوصًا في مناطق النزاع.
ثالثًا: المحور الأمني… أخطر مرحلة في تاريخ السودان الحديث
التهديد الأمني الذي يعيشه السودان اليوم ليس مجرد حرب، بل هو اختبار لسلامة المجتمع والدولة معًا.
1. اتساع نطاق العمليات
الحرب وصلت إلى المدن والقرى والمناطق الحيوية، ما خلق وضعًا أمنيًا هشًا ومتحركًا.
2. تراجع الأجهزة الأمنية
تفكك المنظومة الأمنية التقليدية أوجد فراغًا خطيرًا، سمح لبعض المجتمعات المحلية بمحاولة حماية نفسها خارج إطار الدولة.
3. موجات النزوح الكبرى
النزوح الواسع خلّف آثارًا أمنية وإنسانية خطيرة، وخلق توترًا اجتماعيًا بين مناطق الاستقبال والمناطق المنكوبة.
4. الحدود المفتوحة
السودان يقع في محيط إقليمي مشتعل، ما يجعل تدفق السلاح والتحرك عبر الحدود أحد أخطر التحديات الأمنية.
رابعًا: المحور الاجتماعي… نسيج يصمد رغم الجراح
المجتمع السوداني واجه خلال الحرب صدمات عنيفة، لكنه ظل رغم ذلك محافظًا على جوهره.
1. تفكك الأسر وضعف شبكات الدعم
تشتيت العائلات وانهيار البنية الاجتماعية التقليدية أديا إلى هشاشة اجتماعية غير مسبوقة.
2. تفاقم الفقر والجوع
ارتفاع الأسعار وانهيار الخدمات جعل الأمن الغذائي مهددًا على مستوى البلاد.
3. آثار نفسية طويلة المدى
النساء، الأطفال، كبار السن…
الجميع تحملوا صدمات ستظل آثارها لسنوات طويلة.
4. صمود يبعث الأمل
رغم كل شيء، أظهر السودانيون روحًا تضامنية نادرة:
مبادرات أهلية
دعم مجتمعي
تكافل بين المناطق
هذا الصمود هو ما أبقى البلاد متماسكة رغم العاصفة.
خامسًا: إلى أين يتجه السودان؟… سيناريوهات المستقبل
1. سيناريو التسوية السياسية
وهو الأكثر واقعية على المدى المتوسط، بشرط:
وقف الحرب
جلوس الأطراف
وجود ضمانات وطنية وإقليمية
2. سيناريو استمرار الحرب
وهو الأسوأ، لأنه يعني:
مزيدًا من الانهيار
تفكك المجتمع
تآكل ما تبقى من الدولة
3. سيناريو إعادة البناء
وسيكون ممكنًا فقط بعد:
توحيد الجبهة الوطنية
إصلاح المؤسسات
وضع رؤية اقتصادية واضحة
السودان ليس بلدًا قابلاً للسقوط
رغم قتامة المشهد، يبقى السودان بلدًا يملك مقومات النهوض:
شعب صابر
موارد ضخمة
روح وطنية ترفض الانكسار
إن ما يحدث اليوم هو اختبار،
واختبارات الشعوب العظيمة لا تُكتب نهايتها إلا بصمود أبنائها.
السودان سيعود…
لأن الشعوب التي تحفظ وحدتها وتدافع عن أرضها لا تنهزم مهما طال الليل.
الخميس ١
١ديسمبر٢٠٢٥
حديث الكرامة كالوقي ..بشاعة المجازر تهز صمت المنابر الطيب قسم السيد
يبدو أن السودان قد احكم خطته لتعزيز مساره الدبلوماسي، بنهج فاعل ومؤثر،عبر المنابر الدولية …





