عباس حمدون/محامي وناشط حقوقي “تجربة العدالة الدولية في الحروب الداخلية للدول الأفريقية: السودان نموذجًا”
على الرغم من وجود قواعد قانونية لحماية حقوق الإنسان وإحلال السلام والأمن الدوليين في السودان، إلا أن القوة غالبًا ما تحدد سيادة الدولة داخليًا. هذا يتعارض مع تطبيق العدالة كما تفهمها محاكم العدل والجنائية الدولية. والقانون الدولي المنظم للأمم، يشمل اتفاقيات جنيف الأربعة لعام ١٩٤٩ المتعلقة بالقانون الإنساني، بالإضافة إلى البروتوكولين الإضافيين لعام ١٩٧٧ والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. هذه القوانين تنظم كيفية فتح الدعاوى الجنائية أمام المحاكم الدولية.
عند المضي قدمًا في الإجراءات، تواجه المحكمة الجنائية صعوبات في تنفيذ القرارات والأوامر (مثل أوامر القبض) بسبب عدم وجود شرطة دولية خاصة بها. تعتمد المحكمة على شرطة الدول الموقعة على اتفاقية روما، والتي قد تشعر أن بعض الإجراءات تتدخل في سيادتها الداخلية. قد تشعر هذه الدول أيضًا بعدم عدالة المحكمة، بسبب اتهامها بالتحيز للدول الكبرى أو اقتصار تطبيق أحكامها على الدول الضعيفة.
أول حكم طبق على أرض الواقع منذ توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية كان في رواندا. هذا تم عبر المحكمة الجنائية الخاصة التي أنشأها مجلس الأمن بناءً على القرار رقم ٩٥٥. هذا القرار جاء بعد القرار رقم ٩٣٥ الذي شكل لجنة خبراء للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة خلال الحرب الأهلية في رواندا. ولهذا، معظم القضايا التي نظرتها المحكمة الجنائية حتى الآن تتعلق بأشخاص من دول أفريقيا. وكأن المحكمة أُنشئت خصيصًا لأفريقيا. أما الدول الأخرى التي تشهد صراعات داخلية، يتدخل فيها مجلس الأمن والأمم المتحدة بالإجراءات السريعة المعتادة، دون اللجوء إلى إجراءات المحاكم الجنائية المعقدة.
“حقوق الإنسان في السودان وموقف الأمم المتحدة من الانتهاكات المستمرة”
العدالة الدولية لا تتحرك إلا بعد سفك الدماء وارتكاب المجازر وتهجير السكان. عندها تبدأ الإجراءات الروتينية (ندين ونستنكر ونشجب تلك الجريمة…) دون اتخاذ إجراءات مبكرة لتخفيف أو وقف هذه الجرائم. جميع أنواع الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية قد ارتُكبت في السودان.منذ الحرب الأهلية في دارفور عام ٢٠٠٣ وحتى الآن، لم تتمكن المحكمة من القبض على مرتكبي تلك الجرائم. أبناء ضحايا تلك الحرب يُقتلون الآن على يد نفس الأشخاص المتهمين في حرب السودان الحالية.
“هل انتهاكات حرب السودان الحالية وحرب دارفور السابقة تستدعي محكمة جنائية خاصة على غرار التجربة الرواندية؟”
عندما يعجز القانون الوطني للدولة عن محاكمة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية التي تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، يتدخل مجلس الأمن. يقوم مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق للتأكد من وقوع هذه الجرائم، ثم يحول الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية.
صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم ١٥٩٣ بخصوص حرب دارفور السابقة. يتعلق هذا القرار بتشكيل لجنة تحقيق حول الانتهاكات التي وقعت في الحرب الأهلية. أكدت نتائج التحقيق وقوع جميع أنواع الجرائم المنصوص عليها في نظام المحكمة الجنائية الدولية. تم إحالة الملف إلى المحكمة، لكن المحكمة لم تتمكن من تنفيذ أوامر القبض على المتهمين. يعود ذلك، حسب اعتقاد بعض الدول الإفريقية، إلى عدم نزاهة المحكمة في تطبيق العدالة، بالإضافة إلى عدم وجود قوة شرطة دولية خاصة بالمحكمة تتمتع بسلطة التنفيذ كما ذكرته في بداية المقال، والحل الأمثل لتلك التحديات يجب أن يصدر عن مجلس الأمن قرار آخر ملحقًا بالقرار السابق رقم ١٥٩٣، وتشرع في تكوين محكمة خاصة للجرائم التي ارتكبت في دارفور وجرائم الحرب الحالية، ويكون مقر المحكمة في أقرب منطقة جغرافية لدولة السودان لإقامة المحكمة الخاصة. ويمكن أن تتبنى المحكمة أخطر الجرائم التي وقعت في الحرب السابقة والحرب الحالية، ومنها:
1. جريمة الإبادة الجماعية
2. جريمة انتهاكات القانون الدولي والإنساني
3. جريمة التهجير القسري
“موقف القانون الوطني السوداني من محاكمة مرتكبي جرائم الحرب أمام المحاكم السودانية بدلاً من المحكمة الجنائية الدولية”
نجد أن القوانين الموضوعية في السودان أدخلت نصوصًا تتعلق بالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وجاءت في المواد ١٨٦ و١٨٧ و ١٨٨ من القانون الجنائي السوداني لسنة ١٩٩١ وتعديلاته المختلفة والمتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. واكتفت بأن تكون المحاكمة وفقًا للقانون الجنائي السوداني، إلا أن القانون الإجرائي يواجه صعوبة في التطبيق بسبب خطورة تلك الجرائم وعدم سريان إجراءات المحاكمة في جو أمني مواتٍ.
حيث نصت المادة ٣ الفقرة ٢ من قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١(لا يجوز اتخاذ أي إجراءات جنائية من تحرٍ أو تحقيق أو محاكمة ضد أي سوداني متهم بارتكاب أي فعل أو امتناع عن فعل يشكل مخالفة لأحكام القانون الدولي والإنساني، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، إلا أمام شرطة السودان أو النيابة العامة أو القضاء السوداني).
كما نصت الفقرة ٣ من تلك المادة(على الرغم من أي نص في أي قانون آخر، لا يجوز لأي جهة حكومية في أي مستوى من مستويات الحكم أو أي شخص أن يساعد أو يقدم أي دعم لأي جهة لتسليم أي سوداني ليحاكم في الخارج لاتهامه بارتكاب أي جريمة تشكل مخالفة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب).
وبهذا النص أغلقت القوانين الوطنية السودانية الباب أمام المحكمة الجنائية الدولية للتدخل في تطبيق نظامها على أي متهم سوداني ارتكب جريمة من تلك الجرائم ووضعت معايير للحفاظ على سيادة الدولة. وهذا لا يعني أن النص أعلاه له الحجية في عدم تدخل المحكمة الجنائية الدولية، وذلك في بعض الحالات الآتية:
١. فشل القانون الوطني في تطبيق القانون الموضوعي والإجرائي فيما يتعلق بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب.
٢. طلبت الحكومة السودانية التعاون مع مجلس الأمن الدولي لإقامة محكمة مختلطة خاصة تتكون من قضاة سودانيين والهيئة القضائية لمحكمة الجنائية الدولية.
٣. رأت الأمم المتحدة أن من الضرورة القصوى التدخل لتنفيذ العدالة الدولية وفقًا لأحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي سابقة هي الأولى في تاريخ القضاء السوداني، توجه المحكمة تهمة تحت المادة ١٨٦ من القانون الجنائي السوداني (جرائم ضد الإنسانية) في مواجهة الملقب بـ “أب جيقة” والمتهم بقتل الشهيد حسن محمد عمر في التظاهرات السلمية ضد النظام السابق عندما أطلق المتهم أعيرة نارية على المتظاهرين السلميين، واعتبرتها المحكمة هجومًا موجهًا وعملًا ممنهجًا ضد المدنيين. تقضي السياق بتطبيق المادة ١٨٦ من القانون الجنائي السوداني (جرائم ضد الإنسانية).
٢٠٢٥/٦/١٣
حفظ الله السودان وأهله وأعطى كل مظلوم حقه وكل ظالم جزاءه
ابراهيم محمود: ما يجري في السودان تنفيذ لاستراتيجية غربية تهدف لتفتيت الدولة وإضعاف المجتمع
أكد رئيس حزب المؤتمر الوطني المكلف المهندس إبراهيم محمود حامد أن ما يشهده السودان من فوضى …