أصل-القضية ما بعد الجغرافيا: إعادة تعريف الحدود والقانون في الشرق الأوسط محمد أحمد أبوبكر باحث بمركز الخبراء العرب

في لحظةٍ خاطفة، تشقّقت الجغرافيا، وتاهت الحدود، وتزلزلت منظومة العلاقات الدولية كما نعرفها.
إيران، الدولة التي لطالما رُسمت عليها خطوط النار، وانهالت عليها الضربات من السماء والصحافة والعزلة، اختارت فجأة أن تخرج من بين الركام لا لترد فقط… بل لتُعيد تعريف قواعد الاشتباك، وحدود السيادة، ومعنى الردع، ونطاق القانون.
الشرق الأوسط بعد ليلة “العبور الإيراني للسماء الإسرائيلية” ليس هو ذاته.
لقد بدأنا نعيش ما يُمكن تسميته بحق: “زمن ما بعد الجغرافيا”.
حين أرادت إسرائيل تمزيق الجغرافيا… فمُزقت أسطورتها
ظنّت إسرائيل أنها وحدها قادرة على تجاوز الحدود الجغرافية، والسيادية، والزمنية:
* تغتال داخل طهران من تشاء.
* تُقصف القنصليات بلا خوف من قانون أو ميثاق.
* تُدير شبكات تجسس على امتداد المشرق.
* وتحتفظ لنفسها بـ”الحق المطلق” في الرد، دون مساءلة.
لكن الرد الإيراني الأخير لم يكن فقط صواريخ ومسيّرات.
بل كان إعلانًا صريحًا بأن الخرائط التقليدية لم تعد تقيد الإرادة السيادية، وأن الدول الجريحة قد تتحول إلى دول مغيرة للنظام العالمي.
لقد محَت إيران الحدود السياسية حين سارت صواريخها آلاف الأميال وعبرت فوق الأردن والعراق وفلسطين لتبلغ العمق الإسرائيلي.
ولم يعد السؤال: “من أين جاءت؟”
بل: “من أين استمدّت هذه المشروعية السيادية؟”
إعادة تعريف الجغرافيا في العلاقات الدولية
في نظريات العلاقات الدولية، يُنظر إلى الجغرافيا على أنها:
* محدد رئيسي في سلوك الدولة (المدرسة الواقعية).
* عائق أمام النفوذ/أداة للنفوذ (الجيوسياسية).
* عامل تقييدي على القوة الناعمة (النظرية الليبرالية).
لكن ما حدث يعيد ترتيب هذه المعادلات:
١. الجغرافيا لم تعد خط دفاع، بل ساحة حرب متنقلة.
٢. الحدود لم تعد تحمي، بل تُخترق من الطرفين.
٣. الردع لم يعد يُقاس بما لديك فقط، بل بما تجرؤ على استخدامه خارج حدودك.
إيران بهذا الهجوم – مهما كانت نتائجه التكتيكية – أثبتت أنها تمتلك ردعا معنويا بصيغة مادية: القدرة على إعادة تعريف مفهوم السيادة من جديد، من موقع المتحدي، لا الملتزم فحسب.
القانون الدولي… في مأزق؟ أم في مخاض جديد؟
من حيث الشكل، يمكن قراءة الرد الإيراني في ضوء:
* المادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة: “لكل دولة حق الدفاع عن النفس إذا وقع عليها هجوم مسلح”.
* لكن من حيث الجوهر، فقد أعاد هذا الحدث طرح أسئلة وجودية على القانون الدولي:
> ✦ من يحدد معنى “الهجوم المسلح”؟
لماذا يُسمح لإسرائيل بقصف قنصليات دون عقوبة، بينما يُدان من يردّ؟
هل صمت المؤسسات الدولية يعني نهاية شرعية القانون، أم انهيار نزاهته؟
كمختص في العلاقات الدولية، أرى أن النظام القانوني الدولي يعيش الآن حالة من الإنهاك المفاهيمي، وأن الردع السيادي غير التقليدي (كما فعلت إيران، أو المقاومة اللبنانية، أو حتى نماذج مثل كوريا الشمالية) أصبح البديل الواقعي لحماية السيادة في ظل ازدواجية المعايير.
منطق “الجسر والمورد”… ما يراه العرب صراعًا، تراه إيران جغرافيا سيادية
وفق استراتيجية “الجسر والمورد”، فإن من يتحكم في تدفق النفوذ عبر الجغرافيا يملك القدرة على صناعة الحدث.
في هذا السياق:
مفهوم التوظيف الإيراني
* الجسر استخدمت إيران مجالًا جغرافيًا متصلًا يمتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى جنوب لبنان، كبنية تحتية استراتيجية للرد.
* المورد فعّلت مواردها التكنولوجية والعلمية والعسكرية لا لإظهار القوة فحسب، بل لتقول: “نحن نرد باسم السيادة، لا باسم الغضب”.
بمعنى آخر: إيران لم ترد انفعاليًا، بل هندست جغرافيتها السيادية وردعها كما تُهندس المشاريع الكبرى.
سيناريوهات محتملة – هل نحن على أعتاب نظام دولي جديد؟
كمحلل وباحث في العلاقات الدولية، أضع أمامنا أربعة مسارات استراتيجية قد تتبلور بعد هذا الحدث المفصلي:
١. بروز حقبة “الردع السيادي اللامتناظر”: حيث لم تعد موازين القوة التقليدية تحكم من يردّ، بل من “يملك الإرادة في الرد”.
٢. نهاية عهد “الخرائط الآمنة”: أي أنه لا توجد دولة تملك مطلق الأمان بعد الآن.
٣. تصاعد أهمية التحالفات غير الرسمية العابرة للحدود: محور المقاومة، شبكة الجغرافيا المشتركة.
٤. إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية: خاصة المتعلقة بالحدود والامتيازات والاختصاصات القضائية… لأن من لا يُنصف اليوم، سيرد غدًا.
سؤال إلى الضمير العربي: هل آن أوان الجغرافيا الفاعلة؟
بينما تُعيد دول مثل إيران تشكيل الجغرافيا بالإرادة والإبداع السيادي، ما زال الخطاب العربي الرسمي يدور في حلقة:
> “نحن نشجب… ونندد… وندعو لضبط النفس.”
* الشرق الأوسط لم يعد يدار من قمم البيانات… بل من منصات الردع.
* والتاريخ لا يكتب بيد من يكتفي بإدانة الفعل… بل بمن يصنع فعلًا يجعل القانون نفسه يُعاد كتابته.
أصل القضية بمثابة نداء،،،
لقد كسرت طهران جدران الخوف، وأعادت الاعتبار لفكرة الردع من خارج المنظومة الغربية، وحرّكت المياه الراكدة في قوانين دولية كانت جامدة.
> الجغرافيا ليست قدرًا… بل أداة بيد من يعرف كيف يصوغها.
والسيادة لا تُمنح… بل تُنتزع بإرادة عابرة للخوف، عابرة للحدود، عابرة للقانون إذا انحاز.
أليس من حقنا كعرب – ومن واجبنا كسودانيين – أن نبني جسورًا نتحرّك عبرها، لا أن نُمدّها ليعبر عليها الآخرون؟
أليس الوقت مناسبًا لإعادة صياغة استراتيجياتنا خارج قوالب الهيمنة والقوالب الجامدة؟
إننا نحتاج لـ “سيادة فكرية” قبل أن نطالب بسيادة سياسية.
ماذا يجري داخل حركة مناوي !! ابشر الماحي الصائم
اصبحت حركة تحرير السودان التي يتزعمها المارشال مني اركو مناوي، منذ انحيازها للصف الوطني بع…