معز أبو الزين _ يكتب (الطابور الخامس ) _ السودان بين منعطفات الخارج الطامع وتعرجات الداخل المهتز

لعل ثغرات الداخل المتفكك أكثر خطورة على السودان من الخارج المتماسك ضده
فالهزيمة والإنهيار لا يأتيان من الخارج وإن عظم
إلا أن يكون الداخل مهزوزاً أو مخترقا ( الطابور الخامس )
حتى يكون الداخل مهزوزاً يكفي فقط أن يكون متناقضاً في تعاطيه للتحديات وعدم يقينه بالفرص والمتحقق من النصر وعدم وعيه بما يحاك من مؤمرات فتهتز القناعات ويختلط حابل الحقيقة بنابل التحليل والتأويل والحبكات المكتوبة باحترافية مزجت ما بين الخبث والمكر والدهاء تبنتها بيوت خبرة ذكية مرجعيتها التحليل العلمي الدقيق عبر متخصصين في لغة الجسد والفراسة وقراءة الورائيات لما ما هو متداول في الشارع السوداني البسيط أو عبر المسئولين غير المسئولين
ولا يقابل ذلك من الدولة ردودا مدروسة أو مخطط لها بمهنية عارفة عالمة بمآلات ما تكتب أو تقول فيأتي الرد أحيانا متناقضا أو مبتورا لا يشبع شغف كل الأسئلة التي تدور في ذهن المستهلك العادي لسلعة المكتوب أو المنقول
ويعزى ذلك – في الغالب – لأن الردود تأتي من وجهات نظر شخصية بحتة غالبا ما يكون الحماس والعاطفة او الانتماء الفكري الضيق دافعها الأساسي ولا عزاء في ذلك لوزير أو مدير فالكل يرد لنفسه ووجهة نظره الشخصية وأفقه المحدود
فلابد من الرد على مايكتب ويقال بتكتيك على الأقل يجاري المكتوب والذي بالتأكيد غرضه تفكيك قناعات الداخل أو تشكيكها لفصلها من قيادتها وتوسيع الهوة بينهما ليحقق مبتغاه وأنا برأي خط الدفاع القادم والمهم هو الإعلام بمهنية وعلمية قادرتين على خوض المعركة بعيدا عن العامة وذوي الخبرات المتراكمة تراكم سنين لا تراكما معرفيا متجدداُ الذين يعيدون إنتاج انفسهم دون تطوّر يذكر ولا كذلك لصنّاع المحتوى الذين ليس لديهم الفكرة والخبرة اللازمتين للرد على المكتوب
وهنا لابد من الوقوف على معيار الاختيار للكوادر والكفاءات الذي يبنى في العادة على شهادة أو إعادة ( تراكم سنين ) ويغفل من ذلك التجديد ( المعرفة متجددة بسرعة لا تحتويها شهادة ولا يحدها تراكم السنين ) فيجب أن يكون أعادة تعريف الكفاءة بمعايير جديدة تستوعب التغيرات المتسارعة فما عادت المعاينات تلقي بالا لشهادة أو خبرة غير موثوق من مواكبتها للواقع ومطلوبات سوقه
وارى أن تنبني الردود على خطين:
الخط الأول دفاعي يناهض المكتوب ويفككه ويفند محتواه ويشخص غرضه ومرضه دون استغفال أو ( شتل ) لأن الشارع اليوم أكثر ذكاءً في تلقيه مما كان عليه قبل الحرب
حتى نحمي المتلقي البسيط الذي نرجوه سندا وعضدا من ان يكون عرضة لما هو متداول أوفريسة سهلة يزعزع بها الأعداء تماسك الداخل
وأرى تكوين غرفة متابعة تجمع وتحلل كل المكتوب ضد أو مع بإحترافية تراعي الأغراض ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفلحون )
والخط الثاني هجومي يفضح مخطط الآخر ويعريه بالحقائق فالحقيقة لا تهزم مهما كانت الفرية المدعاة وتوثق الأحداث بتقنية تخاطب الخارج أكثر مما تخاطب الداخل
فالمسكوت عنه لأغراض التمويه وخدعة الحرب يسكت عنه ولا غبار على ذلك ولكن الشارع يحتاج إلى حقيقة صادقة مجردة ينحاز على أثرها العظام والعوام
ولذلك لابد من توحيد منصة الرد وصناعة محتوى احترافي يراعي كل قواعد اللعبة
أما أن يكون الداخل مخترقا ( طابور خامس ) فلذلك دواعٍ ومسببات لكن تلافيها لا يأتى بين عشية وضحاها وإنما يكون ذلك من قلة الإحساس بالوطن والوطنية والتي غالبا ما تكون بدوافع شخصية أو اعتقادات راسخة نتيجة للظلم الشخصي أو المناطقي او الإحساس به او التجنيد مقابل المال أو مقابل تحقيق الطموح السياسي وغيرها من مسببات العمالة للغير ولكن لابد من دراسة هذا الأمر مستقبلا
فنحن في زمان القوى الذكية والتي تقوم على الخلط بين القوتين الناعمة والصلبة ولعل اهم مرتكزات القوة الذكية الإعتماد على القوة الناعمة باختراق الداخل والمحاربة الوكالية والمعروف عنها أنها لا تأتي ينعها وثمرها وأكْلها إلا عبر المعتقدات الراسخة لقوى الداخل بضرورة الحرب الداخلية أو الأهلية ( وهنالك مقولة تقول أن كيد ذوي القربى اشدّ تنكيلا ) ولأن المرتزق لا يقوى على حربٍ كل مكتسبه فيها المال فدوافع المال عاطفية لا تنفك ان تحيده عن الجادة اذا ما اشتدت الأمور ( المحرش ما بكاتل ) ولكن ابن الداخل دافعه أكبر وثباته أكبر لأن المعتقد المرسخ في ذهنه قوته عقلانية لا عاطفية
فالحرب الحديثة تبدأ بتفريق الداخل وكسر قناعات الوحدة والانصهار في مفهوم ( الوحدة المتنوعة ) مستفيدين من كل أزمات الداخل وتقاطعاته المبنية على المصالح الذاتية والتي غالبا ما تتخذ المصالح المناطقية غطاءً لها
خصوصا من تم إقصائه ( إنما يأكل الذئب من الغنم قاصيها ) فالإقصاء والتهميش والظلم – الشخصي أو المناطقي – من أكبر الأسباب للتمرد والمطالبة الصلبة ( بقوة السلاح ) او العمالة للغير بنية التقوي لنيل الحقوق
فنظرية المؤامرة حاضرة وفرق تسد لا يزال مفعولها مؤثرا والفوضى الخلاقة وعقيدة الصدمة وكل النظريات الإنسانية المعاصرة تحيط بنا من كل جانب
فالعالم اليوم ليس كما هو عليه حين تم إنشاء التنظيمات السياسية السودانية
فلابد من مواكبة ذلك التطور والتجديد في عقيدة كل تنظيم وحزب فالدين لا يتجدد فهو ابدي أزلي قديم خالد لا مكان فيه لتجديد.بل الذي يتجدد هو الفكر
و الفكر هو عملية التفاعل بين عقل المفكرين وأحكام الدين الأزلية ، وهو متكيّف كماً ونوعاً وفق المعارف العقلية، والتجارب العملية بحسب كل زمان ومكان
، فالفكر هو التفاعل بين عقلنا المتكيف بالمتغرات الظرفية، والمنفعل بها مع الهدي الأزلي الخالد للدين اذا كان هذا هو دين الله المنزل من السماء فكيف هو حال المعتقدات الإنسانية مع التغيير
لابد من تنظيفات قديمة متجددة قادرة على استيعاب التغيرات والتحولات دون التصلب في معطيات قديمة اكل الدهر على معينها وشرب
ولنا عودة
بالواضح فتح الرحمن النحاس تعهدات بروف كامل إدريس.. ورسائل في مداخل الزمن الجديد.. ومراسي لوطن التعافي والأمل..!!
والأمل المضئ يبدأ عند كل مفتتح لحديث الأخ البروف كامل إدربس رئيس الوزراء، إذ هو يبدأ كل حد…