‫الرئيسية‬ مقالات أصل_القضية محمد أحمد أبوبكر باحث بمركز الخبراء العرب من “هنا أم درمان” إلى وسائل التواصل الاجتماعي: من يملك رواية السودان اليوم؟
مقالات - يونيو 22, 2025

أصل_القضية محمد أحمد أبوبكر باحث بمركز الخبراء العرب من “هنا أم درمان” إلى وسائل التواصل الاجتماعي: من يملك رواية السودان اليوم؟

أصل_القضية  محمد أحمد أبوبكر  باحث بمركز الخبراء العرب  من “هنا أم درمان” إلى وسائل التواصل الاجتماعي: من يملك رواية السودان اليوم؟

حين ينتقل صوت الوطن من الأثير إلى الخوارزميات، من يصوغ الوعي ومن يعيد ترتيب الحكاية؟

 

🔹 حين كان الوطن يبدأ بصوت…

 

“هنا أم درمان…”

 

تلك العبارة لم تكن مجرّد افتتاحية إذاعية، بل كانت إشارة انطلاق للذاكرة الجمعية السودانية، وعقدًا غير مكتوب بين المواطن والدولة، بين الراوي والمروي، بين من يَملك المايكروفون ومن يملك الحق في أن يُصغي.

 

لكن اليوم، تغير المشهد.

أم درمان صامتة… والأصوات تأتي من كل صوب: تيك توك من الميدان، تويتر من غرفة ضيقة في المهجر، وبث مباشر من قلب الدمار.

فمن يملك رواية السودان الآن؟

 

🔹 أولًا:تحليل المشهد الإعلامي السوداني

 

١. الإعلام التقليدي… بين شيخوخة الشكل وفقدان المضمون

 

* الإذاعة والتلفزيون الرسمي تحولا إلى أدوات باهتة، تُدار في كثير من الأحيان بروح الخوف أو بروتوكولات الدولة العميقة.

 

* الخطاب الرسمي فقد القدرة على التأثير و”إعادة تشكيل الوعي”، لأنه لا يخاطب الوجع، ولا يحترم العقل.

 

٢. الإعلام البديل… فوضى المعلومة واللا مركزية السردية

 

* منصات التواصل باتت المصدر الأول للأخبار، لكن أغلبها يفتقد المهنية، والتوثيق، والانحياز للحقيقة.

 

* من يملك الحساب الأقوى، يُصبح هو الراوي، حتى وإن كان المرتزق أو القاتل أو الكاذب.

 

* أزمة التحقق من الحقيقة أصبحت أخطر من أزمة الوصول إليها.

 

٣. فراغ السرد الوطني

 

* لا توجد رواية وطنية كبرى جامعة تُعبّر عن وجدان السودانيين جميعًا.

 

* كل مجموعة تروي سرديتها الخاصة (الهامش، المركز، القوى السياسية، ضحايا الحرب…)، والنتيجة: تشظي الرواية، وتعدد الحقائق، وضعف الوحدة الرمزية.

 

🔹 ثانيًا: التحديات البنيوية التي تواجه رواية السودان

 

▪️ أزمة الهوية السردية

 

> من يحكي عن السودان؟ هل هو مركز السلطة؟ أم نازح من الفاشر؟ أم مغرد من المهجر؟

غياب “العدسة الوطنية” أفسح المجال لـ”عدسات استعمارية ناعمة” تصوّر السودان كأرض جائعة لا كأمة مقاومة.

 

▪️ غياب المؤسسات الإعلامية المستقلة الرصينة

 

* الإعلام الحر والمستقل إما مُغلق، أو منفي، أو فقير.

 

* لا توجد مراكز إنتاج سردي قادرة على مجابهة التضليل أو إعادة تشكيل الوعي الجمعي.

 

 

▪️ التضليل الممنهج كأداة حرب

 

* كل طرف في الحرب يستخدم الإعلام كسلاح ناعم: لبث الذعر، للتأليب، لصناعة بطولات زائفة، أو لتبرير القتل.

 

* غياب الرقابة الأخلاقية يجعل الإعلام أداة إبادة معنوية.

 

🔹 ثالثًا: الحلول وفق استراتيجية “الجسر والمورد”

 

📌 ١. بناء الجسور بين السرديات

 

* الربط بين السرديات المحلية المتفرقة (النازح، الطالب، الجندي، الأم، المثقف…) لإنشاء رواية جامعة تُبنى على التنوع لا التنافر.

 

* تدريب جيل جديد من الصحفيين والمراسلين المحليين (من داخل المجتمعات المتأثرة بالحرب)، ليكونوا جسور الحقيقة من الداخل للخارج.

 

 

📌 ٢. استثمار المورد البشري – الشعب الراوي

 

* تحويل المواطن من متلقٍ إلى راوٍ، عبر تمكينه تقنيًا ومهنيًا وأخلاقيًا فالمواطن يريد من يستمع لروايته .

 

* إطلاق منصة إعلامية وطنية شاملة تعتمد على الحكي المجتمعي، التوثيق التشاركي، والسرد القصصي الرقمي.

 

 

📌 ٣. تأسيس “ذاكرة سودانية جديدة”

 

إنشاء مركز مستقل للسرد الوطني يدمج:

 

* الإعلام

 

* الأرشيف

 

* التوثيق الشفاهي

 

* الفن والمسرح والرواية

 

> السودان لا يحتاج فقط إلى الحقيقة، بل إلى سردها بأسلوب يجعل العالم يُصغي.

 

📌 ٤. إنتاج محتوى وطني استراتيجي متعدد الوسائط

 

* أفلام وثائقية، روايات تفاعلية، ألعاب سردية، بودكاست ميداني…

 

مَن لا يكتب عن نفسه، سيُكتَب عنه كما يشاء الآخرون.

 

🟥أصل القضية: من يمتلك السرد… يملك المصير

 

“من يملك الرواية، يملك السلطة المعنوية”،

ومن يملك السلطة المعنوية، يوجه الشعوب، يرسم صورتها، ويُحدد إن كانت أمة تنهض، أم أرضًا تُقسم.

 

السودان لا تنقصه الحكايات…

بل تنقصه يد تحنو على الحكاية، وعقل يُعيد تركيبها، ولسان لا يكذب حين ينطق بها.

 

فهل نبدأ بكتابتها الآن… قبل أن تُكتب عنا بلغات لا تعرفنا؟

 

🔹 توصية للقيادة وصنّاع القرار:

 

احموا سرديتكم كما تحمون حدودكم.

 

أنشئوا مؤسسة وطنية لسرد الرواية السودانية الجامعة.

 

أطلقوا استراتيجية “السودان يروي نفسه” بشراكة بين الإعلام والثقافة والتعليم والمجتمع المدني.

فالرصاصة تقتل جسدًا… لكن الكذبة تقتل وطنًا.

‫شاهد أيضًا‬

الهندي عزالدين  التحية لجيشنا العظيم ومنظومة الصناعات الدفاعية

ودّعنا فجر أمس ، من محطة السد العالي في “أسوان” الجميلة الرائعة ، ركاب القطار …