دكتور ابوعبيدة محمد السيد الكودابي يكتب رسالة في إصلاح ذات البين

(فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم) جعلت لها شعارا من قوله تعالي (لاخير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة او معروف او إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) .
فلابد للمجتمع من رجال يقومون علي الحسبة والإصلاح والسعي بين المتخاصمين لفض النزاع والخصام لان التنازع يضعف الامة ويفت في عضدها (فلا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وفضائل الإصلاح عديدة، فهو يعمل على توثيق الروابط الاجتماعية، يقلل من النزاعات ويمنع الفرقة بين المؤمنين فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة” (أبو داود).فاذا لم يكن في المجتماعات من يقوم علي الإصلاح والتقويم المبني علي النصح والارشاد فسوف تنهار هذه المجتمعات وتتلاشي.
لاشك اني انطلق في هذه الرسالة من تجربتي والمواقف التي مرت بي في هذا العمل الاجتماعي العظيم ولن يعرف قيمته الا من خاض غمار التجربة وسعي بين الناس بالاصلاح فتارة يجد لذه الإصلاح بمجرد ان يتم الله له الإصلاح سواء كان الخلاف كبير أو صغير وأحيانا يصطدم بمشكلة تحير الحليم ولا يثنيه عن المضي في الإصلاح.
وأكثر مايفرح المصلح فك الرقاب وعتقها بعد ان يحكم عليها بالاعدام والقتل فاحيانا فك الرقاب والعفو عنها يحتاج الي مال للديات والمساومات وغيرها . وكذلك النزاعات الجماعية بين القري والمجموعات الرعوية فمن القضايا المعقدة في شمال كردفان حكم علي ١٤ شخصا بالإعدام بينهم ٤ نسوة فسعينا في الإصلاح بينهم ومهدنا لهم حتي اعتقوا لنا النساء بعد جهد وعناء وبقي الرجال في الحبس حتي الآن. وكذلك في نهر النيل قضية محكوم فيها رجل وابنه بالإعدام وحتي الان جاري السعي فيها للإصلاح. واخري كذلك محكوم فيها ثلاثة رجال اخوين وخالهم . وقضية فردية محكوم فيها بالاعدام وغيرها الكثير من قضايا الرقاب التي تحتاج الي جهد من المصلحين لإصلاح ذات البين وفض النزاعات والخصومات يعد من القيم الإنسانية والاجتماعية المهمة في المجتمعات عموماً، وفي السودان على وجه الخصوص نظراً لتقاليده العريقة في هذا المجال. قضايا القتل العمد والتعدي على حقوق الناس تمثل تحدياً كبيراً للمجتمع السوداني، مما يجعل الوساطة والمصالحة ضرورة لحفظ السلم الأهلي واستقرار المجتمع. سنستعرض فيما يلي مختصرا عن هذا الموضوع
فإصلاح ذات البين هو عملية تهدف إلى تحقيق الصلح بين الأطراف المتنازعة بطريقة ودية تستند إلى القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية. في السودان، تُعد المصالحة تقليداً أصيلاً يُمارس منذ القدم، إذ تُستخدم آليات عديدة، أبرزها “الجودية”، لحل النزاعات بما فيها القتل العمد والتعدي على الحقوق.
أهمية إصلاح ذات البين
1. حفظ السلم الاجتماعي: إصلاح ذات البين يمنع تفاقم النزاعات ويُعزز التماسك المجتمعي.
2. تخفيف الضغط على القضاء: المصالحات تخفف العبء عن النظام القضائي الذي قد يكون مثقلاً بالقضايا.
3. إعلاء القيم الإنسانية والدينية: في الإسلام، تُشجع الشريعة على الإصلاح بين الناس وتجنب الخصومات، لقوله تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10].
4. التخفيف من آثار الجريمة: المصالحة تُسهم في التخفيف من الآثار النفسية والاجتماعية على الضحايا وأسرهم.
ومن اهم آليات إصلاح ذات البين في السودان
1. الجودية:
الجودية هي هيئة اجتماعية تُعنى بحل النزاعات بطريقة تقليدية تعتمد على الحكماء ووجهاء القبائل.
تُمارس الجودية عادةً في الريف السوداني، حيث يُعرف القضاة العرفيون بحنكتهم في الوساطة وإيجاد حلول مقبولة.
2. الصلح العرفي
يتم بموجب أعراف محلية وقوانين غير مكتوبة، إذ يجتمع زعماء القبائل لحل القضايا الكبرى مثل القتل العمد.
يشمل ذلك تقديم الدية كتعويض مالي لأهل القتيل.
3. المجالس الشعبية
تُعقد مجالس يشارك فيها الأعيان والمجتمع المدني للوصول إلى حلول توافقية للنزاعات.
4. الوساطة القضائية
وقد يتدخل القضاة والمحامون أحياناً كوسطاء لحل القضايا خارج المحاكم، خاصة إذا اتفق الطرفان على ذلك.
ومنها إصلاح ذات البين في قضايا القتل العمد
قضايا القتل العمد تُعتبر من أخطر القضايا التي تهدد الأمن والاستقرار في السودان. تدخل المجتمع في هذه القضايا يكون ضرورياً لحل النزاع ومنع الانتقام.
الإجراءات المتبعة
1. تدخل الجودية: يتم تشكيل لجنة من الحكماء لمقابلة الطرفين والتفاوض بشأن الصلح.
2. الدية: تُستخدم كوسيلة لإرضاء أهل الضحية، وتُحدد قيمتها وفقاً للشرع أو العرف.
3. التنازل عن الحق الشخصي: قد يختار أهل الضحية التنازل عن القصاص مقابل المصالحة.
إصلاح ذات البين في حالة التعدي على الحقوق، سواء كان مادياً أو معنوياً، تتبع الخطوات التالية:
1. التفاوض المباشر: يشترك طرف ثالث (وسيط) لإيجاد حل وسط.
2. التعويض: قد يكون مادياً أو معنوياً لإرضاء المتضرر.
3. إصدار الوثائق الموثقة: لضمان الالتزام بالاتفاقيات.
ومن التحديات التي تواجه إصلاح ذات البين
1. التمسك بالثأر: بعض القبائل تصر على الأخذ بالثأر مما يعقد عملية الصلح.
2. ضعف دور القانون: أحياناً، يتباطأ النظام القانوني في دعم جهود الوساطة.
3. انتشار الأسلحة: يؤدي إلى تصعيد النزاعات بدلاً من حلها.
4. الأمية والجهل يعيق التفاهم بين الأطراف المتنازعة.
دور الحكومة والمجتمع المدني في
تعزيز دور الجودية من خلال تدريب الوسطاء وتوفير الدعم اللوجستي.
ونشر الوعي القانوني توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم.
وكذلك إنشاء مراكز للصلح تُخصص لمعالجة النزاعات بشكل سريع وعادل.
و تفعيل الإعلام للترويج لقيم التسامح والمصالحة.
خاتمة
إصلاح ذات البين يمثل أداة قوية لتحقيق السلم الاجتماعي في السودان، لا سيما في ظل التحديات الكبيرة مثل قضايا القتل العمد والتعدي على الحقوق. تعزيز هذا النهج يتطلب تعاوناً بين الحكومة والمجتمع المدني لتجاوز العقبات وبناء مجتمع متماسك يسوده السلام.
حديث الساعة بقلم: إلهام سالم منصور الدرعة والبرؤون يهزمون السرطان
بقوة الدرعة، وبصلابة البرؤون، وبإيمان راسخ لا يتزعزع، انتصرت — بفضل الله — في واحدة من أعظ…