شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر دور المدرسة والمعلم في تعزيز الهوية الوطنية: مرحلة التعافي وإعادة الإعمار

Ghariba2013@gmail.com
يواجه السودان اليوم تحديًا كبيرًا لا يقتصر على إعادة بناء ما دمرته الحرب فحسب، بل يمتد إلى ترميم النسيج الاجتماعي الذي تمزق، وإعادة تشكيل هوية وطنية قادرة على استيعاب التنوع والاختلاف. وفي هذه المرحلة الدقيقة، تبرز المدرسة والمعلم السوداني كأحد أهم الركائز التي يمكن الاعتماد عليها في تحقيق هذا الهدف النبيل. فالمدرسة ليست مجرد مؤسسة لتعليم القراءة والكتابة والحساب، بل هي ساحة لتكوين الأجيال، وتشكيل الوعي، وترسيخ القيم الوطنية.
يُعدّ المنهج الدراسي حجر الزاوية في أي نظام تعليمي، وفي السودان ما بعد الحرب، يجب أن يكون المنهج أكثر من مجرد مجموعة من المواد الأكاديمية. يجب أن يُعاد النظر فيه ليصبح مرآة تعكس تاريخ السودان الغني والمتنوع، ويعزز من قيم المواطنة، والانتماء المشترك، والتسامح. يمكن تحقيق ذلك من خلال إدماج تاريخ السودان وتراثه، فيجب أن يتم تدريس التاريخ السوداني من منظور شامل يعكس التنوع العرقي والثقافي والديني، مع التركيز على فترات الوحدة والتعاون، بدلاً من التركيز على الصراعات، بجانب تعزيز اللغة العربية واللغات المحلية، فاللغة هي وعاء الهوية، ويجب أن يتم تعليم اللغة العربية الفصحى كلغة وطنية جامعة، مع تشجيع دراسة اللغات المحلية السودانية، مما يعكس احترام التنوع الثقافي، وضرورة التركيز على التربية المدنية والمواطنة: يجب أن يتضمن المنهج موادًا تُعنى بالتربية المدنية، وتُعلّم الطلاب حقوقهم وواجباتهم كمواطنين، وتشجعهم على المشاركة الإيجابية في مجتمعهم.
إن المعلم ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو القدوة والموجه. في مرحلة التعافي، يقع على عاتق المعلم السوداني دورٌ مضاعف، من حيث تجسيد قيم الوحدة، فيجب أن يكون المعلم نموذجًا في سلوكه وتفاعله مع الطلاب، يظهر الاحترام للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم، ويعزز من قيم التعايش والتسامح، وتوفير سبل تسهيل الحوار، فيمكن للمعلم أن يخلق بيئة صفية آمنة ومفتوحة، تشجع الطلاب على التعبير عن آرائهم وأفكارهم، وتدير حوارات بناءة حول قضايا التنوع والوحدة الوطنية، بجانب تطوير القدرات، فيحتاج المعلمون إلى تدريب متخصص لتمكينهم من التعامل مع الآثار النفسية للحرب على الطلاب، وتزويدهم بالأدوات اللازمة لتعزيز التفكير النقدي، والقدرة على حل المشكلات، والعمل الجماعي.
على الرغم من أهمية هذا الدور، يواجه قطاع التعليم في السودان تحديات كبيرة، مثل تدمير المدارس، ونزوح المعلمين، ونقص الموارد. لكن هذه التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص بإعادة بناء المدارس كرموز للأمل، ويمكن أن تكون عملية إعادة بناء المدارس فرصة لإشراك المجتمعات المحلية، مما يعزز من شعورهم بالملكية والانتماء، والاستفادة من التكنولوجيا، فيمكن استخدام التعليم عن بعد، للوصول إلى الطلاب في المناطق النائية، وتوفير الموارد التعليمية التي تعزز الهوية الوطنية.
إن الاستثمار في التعليم ليس مجرد إنفاق مالي، بل هو استثمار في مستقبل السودان. فالمدرسة والمعلم، بالتعاون مع الأسرة والمجتمع المدني، يمكن أن يشكلوا جيلاً جديداً من السودانيين، يؤمنون بالتنوع، ويقدرون الوحدة، و يساهمون بفاعلية في بناء سودان جديد، تسوده المحبة والتعايش.
يُعدّ السودانيون المتواجدون في مصر جزءًا مهمًا من المجتمع السوداني في الخارج، ودور التعليم السوداني في مصر يكتسب أهمية خاصة في الحفاظ على الهوية الوطنية لدى الأجيال الشابة. الدور المتوقع من هذه المؤسسات يمكن تلخيصه في الحفاظ على المناهج السودانية، فيجب أن تستمر المدارس السودانية في مصر بتدريس المناهج السودانية، خاصة في مواد التاريخ والجغرافيا واللغة العربية، للحفاظ على الروابط الثقافية والمعرفية مع الوطن الأم.
يمكن للمدارس أن تنظم فعاليات ثقافية واجتماعية، مثل الاحتفال بالأعياد الوطنية السودانية، وتنظيم معارض فنية، وأمسيات شعرية، تعزز من الوعي بالتراث السوداني الغني، وربط الجيل الجديد بالواقع السوداني، فيمكن للمدارس أن تعمل على ربط الطلاب بالأحداث الجارية في السودان، وتشجيعهم على المساهمة في جهود الإغاثة وإعادة الإعمار، مما يعزز من شعورهم بالانتماء والمسؤولية تجاه وطنهم، ويمكن للمدارس السودانية أن تتعاون مع المدارس والجامعات المصرية لتبادل الخبرات، وإقامة فعاليات مشتركة، مما يعزز من قيم التفاهم والتعاون بين الشعبين الشقيقين.
باختصار، يقع على عاتق التعليم السوداني في مصر دور حيوي في الحفاظ على الهوية الوطنية السودانية، وربط الجيل الجديد بجذورهم، وتأهيلهم ليكونوا سفراء لوطنهم في الخارج، ومساهمين فاعلين في بنائه في المستقبل.
حديث الكرامة كالوقي ..بشاعة المجازر تهز صمت المنابر الطيب قسم السيد
يبدو أن السودان قد احكم خطته لتعزيز مساره الدبلوماسي، بنهج فاعل ومؤثر،عبر المنابر الدولية …





