المبادئ التي يقوم عليها نظام الحكم وفق حركات الإسلام السياسي سلسلة دراسات العالم الإسلامي والبدائل الاستراتيجية (6) البروفيسور علي عيسى عبدالرحمن

الثلاثاء 26أغسطس 2025
تحدثت في المقال السابق عن التصور الطموح لحركات الإسلام السياسي ورؤيتهم المثاليّة للإسلام وما يمثله هذا التصور من تحد يواجه تطبيق الاسلام وذكرت أن بعض حركات الإسلام السياسي كانت براغماتيّة ، فانحنت واختارت الواقعية بسبب ( تحدي البيئة الداخلية والخارجية ) فغضت الطرف عن التصور المثالي لتطبيق الاسلام ، وذكرت ( ماليزيا أنموذجا )، وفيما يلي المرتكزات التي يقوم عليها طموح حركات الإسلام السياسي (التصور المثالي) لتطبيق الإسلام .
🍁 *الحاكمية*
*حجر زاوية الإسلام السياسي*
نظام الحكم في الإسلام قائم على الالترام بشريعة الله وفي هذا يقول سعيد حوى:( الأساس الذي تقوم عليه الحكومة الإسلامية هو الالتزام بشريعة الله وانبثاقها عن إدارة المسلمين وتنفيذها لأحكام الله وقضائها على نوازع الهوى المخالف للشريعة الإسلامية وصلاح أفرادها في أنفسهم ، والحكومة الإسلامية حكومة فريدة في نوعها لأن المعاني التي تقوم عليها فريدة فللإسلام نظرته الخاصة في موضوع الأمة والوطن وتنظيم الدولة مدنياً وعسكرياً كما إن للإسلام نظرته الخاصة في موضوع الأمة والوطن وتنظيم الدولة مدنياً وعسكرياً كما أن للإسلام سياسته الاقتصادية والعسكرية والتشريعية والثقافية المتفردة المتميزة) انظر ( الإسلام – سعيد حوى ج2 القاهرة مكتبة ط 1977م ص 103.
ومن المبادئ العامة تنبثق تفصيلات الحكم في الإسلام والتي هي في نهاية الأمر في المصلحة الإنسانية كما عبر عن ذلك الفقهاء في مقاصد الشريعة حفظ الضروريات الخمس: الدين والعقل والنفس والمال والعرض ).
إن نظام الحكم في الإسلام يختلف عن بقية النظم الأرضية لأن التشريعات التي تتنزل على العباد في النظام الإسلام إنما هي تشريعات من عند الله خلافاً للنظم الوضعية التي يجتهد فيها البشر وهم عرضة للخطأ والصواب وهوى النفس .
إن القاعدة التي يقوم عليها النظام تختلف عن القواعد التي تقوم عليها الأنظمة البشرية جميعاً ، إنه يقوم على أساس أن الحاكمية لله وحده فهو الذي يشرع وحده ، وسائر الأنظمة تقوم على أساس أن الحاكمية للإنسان ومن ثم فالنظام الإسلامي لا يلتقي مع أي نظام .
إن الحاكمية في الإسلام خالصة لله وحده فالقرآن يشرح عقيدة التوحيد شرحا يبين أن الله وحده لا شريك له ليس بالمعنى الديني فحسب بل بالمعنى السياسي والقانوني كذلك إن وجهة نظر العقيدة الإسلامية تقول إن الحق وحده هو الحاكم بذاته واصله وإن حكم سواه موهوب وممنوح ) انظر ( الحكومة الإسلامية – أبو الأعلى المودودي ، ترجمة أحمد إدريس – القاهرة 1969م ص 126..
إن حاكمية الله تكتمل بمنهاج النبوة في تطبيق الأحكام الإسلامية وبالتالي تكون الدولة الإسلامية قد تحققت ، إن الدولة الإسلامية لا يؤسس بنيانها إلا على ذلك القانون الذي جاء به النبي من عند ربه مهما تغيرت الظروف والأحوال ) انظر ( نظرية الإسلام السياسية – أبو الأعلى المودودي ، ترجمة خليل حسن الإصلاحي – بيروت ط 1969
لقد كان الرسول القائد هو منشئ الدولة الإسلامية حيث وضع ركائزها التي انتهجها خلفاؤه الراشدين ولذا فإن الإمام أو الخليفة هو رمز وحدة المسلمين ولا يمكن للأمة الإسلامية أن تؤدي رسالتها على مستوى الدين أو الدنيا دون أن يكون لها خليفة يقودها إلى الخير ( إن الأمة الإسلامية لها قائد واحد في الأصل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي له على المسلمين فرض الطاعة وعندما أدى الرسول رسالته وانتقل إلى الرفيق الأعلى كان على المسلمين أن يختاروا خليفة لهم يقيم شريعة الله ويقود المسلمين لاستكمال نشرها ويسوس المسلمين بها وطاعته في حدود الشريعة فريضة ) .
إن الأساس الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم في دولة الإسلام الأولى ينبغي أن تقوم عليه محاولة لإقامة دولة إسلامية ليس لفرد نصيب في الحاكمية والتشريع لتصبح الدولة الإسلامية دولة مؤسسات ثابتة لا شأن لأهل الهوى فيها ليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو حزب أو لسائر القاطنين في الدولة نصيب من الحاكمية فإن الحاكم الحقيقي هو الله والسلطة الحقيقية مختصة بذاته تعالى وحده والذين من دونه في هذه المعمورة إنما هم رعايا في سلطانه العظيم وليس لأحد من دون الله شئ من أمر التشريع والمسلمون جمعياً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً لا يستطيعون أن يشرعوا قانونا ) .
لقد بين الله عز وجل إن الحاكمية له وحده ، قال تعالى{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } : سورة يوسف الآية ( 40). كما خاطب الله الرسول بضرورة الحكم بما أراه الله ، قال تعالى : { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } سورة النساء الآية (105)..
إن الله سبحانه وتعالى يأمر المسلمين بإتباع الشريعة التي فيها صلاحهم ويناهاهم عن إتباع ما يخالف الشريعة ، قال تعالى : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } سورة الأعراف الآية (3). لقد جاء التحريم من الله عز وجل بالخروج على نصوص الشريعة كما حذر سبحانه وتعالى من رفض التحاكم بغير الشريعة بالشريعة ، قال تعالى : { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }
) سورة المائدة الآية (44). وقال تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } سورة المائدة الآية (45) كم قال تعالى: { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }. سورة المائدة الآية ( 47 ، ربط الله عز وجل كمال الإيمان بالحكم بما انزل الله وخلاف ذلك يوصف المسلم بالكفر والظلم والفسق فالمسلم ناقص الإيمان هو ذاك الذي يتضجر عن الحكم الذي يصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من عند الله
إن المسلم الذي يختار من الأحكام خلافاً لما اختاره الله ورسوله فهو ابعد ما يكون عن الإسلام ويمكن أن يوصف بأنه ضال ، قال تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } سورة الأحزاب الآية (36).
عندما تكون الحاكمية لله عز وجل لا شك أن ما يترتب عليها هو أن تكون هذه الأحكام ثابتة ثبات الحاكم وهو الله عز وجل لأنها ليست خاضعة لأهواء البشر المتغيرة بين كل فترة وأخرى ومع كل ظروف . كما يترتب على حاكمية المولى عز وجل احترام القوانين الشرعية والثقة بها لأنها في سمو المشرّع ما يجعلها أهل طاعة وقبول من الجميع لأن مجرد تطبيقها هو بمثابة التقرب إلى المولى عز وجل
*الشــــورى*
الشورى من المبادئ الإسلامية التي يعتمد عليها في النظام السياسي بل ونظام الحياة ، يقول عودة :(إذا كانت الشورى فريضة من الفرائض الإسلامية فإنها ليست مطلقة بحيث تمتد إلى كل أمر وإنما تجب فقط فيما لم يقطع فيه القرآن والسنة برأي ، أما ما قطع فيه القرآن والسنة برأي فهو خارج عن نطاق الشورى إلا أن تكون الشورى في حدود التنفيذ والتنظيم لما نص عليه القرآن وبينته السنة) الإسلام وأوضاعنا السياسية – للشهيد عبد القادر عودة ص 81 .
فالشورى هنا مقيدة فيما لم ينزل عليه نص شرعي قاطع ليترك الأمر لجمهور المسلمين وأهل الحل والعقد ومن هنا يتبين أن الشورى في الإسلام فريضة ومن لوازم الإيمان بنص القرآن : { مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } سورة الشورى الآية .
إن الإسلام جعل من الشورى منهجا لحياة المسلمين وهو بذلك يرسي دعائم قيمة إنسانية وفي آية أخرى يأمر الله رسوله بالشورى كما في قوله تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } سورة آل عمران الآية ( 159).
. الشورى الإسلامية هي اختيار منحاز لأفضل ما عرفه التراث الإنساني في السياسة ونظم الحكم.. إذ غدت الشورى في الفكر الإسلامي هي الفلسفة السياسية المحققة لإرادة الله)( ( ) الإسلام وقضايا العصر – د. محمد عمارة دار الوحدة بيروت ط 1984م ص 99.
إن الإسلام يعول على هذه الشورى كثيراً فيما يختص بالحكم واختيار الحاكم إذ يتم اختيار من يتولى أمر المسلمين عن طريق الشورى أو ما يعرف بالديمقراطية في نظام الحكم المعاصر في العالم الآن حيث لا وراثة ولا تعيين ولا طبقية ولا انفراد بالسلطة ولا وصاية على الأمة ، فالأمة هي التي تختار من تزيد ان يحكمها يقول الفنجري 🙁 اختيار الحاكم المسلم كأحدث الطرق الدستورية والديمقراطية كما هو الآن في العالم ففي أمريكا رائدة الديمقراطية يجتمع قادة كل حزب ويرشحوا واحدا منهم لمنصب رئيس الجمهورية ثم يعرض هذا الشخص على الأمة في استفتاء عام فإذا ا فاز أصبح رئيساً للدولة وممثلاً لجميع أفراد الشعب ) للمزيد.كيف نحكم بالإسلام في دولة عضوية – د. أحمد شوقي الفنجري – مطابع الهيئة المصرية العام للكتاب ط 1990م ص 294
فإن كان هذا هو معيار الغرب والدول التي تدعي المدنية والتقدم فإن الإسلام قد سبق الجميع إلى ذلك حيث نظامه في الحكم يتماشى مع إنسانية الإنسان بما يتركه من قيم ومبادئ تتماشى مع تلكم الإنسانية ، لذلك كاختيار الحاكم في العهود الإسلامية الأولى دليلاً على تفرد الإسلام بهذه الشورى أو ما يطلق عليه ديمقراطية .
عندما توفى رسول الله قام سباق طبيعي بين المهاجرون والأنصار على من يخلفه واجتمع الفريقان الكبيران في سقيفة ابن سعد فرشح المهاجرون أبابكر للخلافة وطالب الأنصار بترشيح واحد منهم ودار بين الفريقين حوار ديمقراطي لا يختلف عما يحدث في عصرنا هذا بين حزبين سياسيين ووقف أبو بكر يشرح حجته في أحقيته بالمنصب وفي صالح الأمة في اختياره حتى اقتنع الفريقان وقاموا إليه يبايعونه ثم توالت القبائل الأخرى الواحدة تلو الأخرى حتى تمت له البيعة من المسلمين جميعاً ) .
وعندما حضرت المنية أبابكر بعث إلى كل واحد من الصحابة وأهل الحزم والمشورة يسألهم رأيهم فيمن يرشحه للخلافة بعده ويطلب منهم رأيهم في عمر فاتفقت آراؤهم حوله ثم خرج عثمان بن عفان ليعلن على المسلمين أن الرأي قد أستقر على ترشيح عمر وسألهم إذا كانوا يريدون مبايعته فاقبلوا على بيعته وعندما حضرت المنية عمر بن الخطاب طلب منه نفر من الصحابة أن يستخلف من بعده ولده } عبد الله بن عمر { لما عرف عنه من العقل والحكمة والفقه في الدين ، فأبى عمر حتى لا تؤخذ سنة لمن بعده في تورث أبنائهم وقال في ذلك ( يحسب آل عمران يحاسب واحد منهم ويسال عن أمر أمة محمد) (تاريخ الطبري ج4 ص228 – دار المعرف الطبعة الرابعة ). هذا دليل على انتقال الحكم في الإسلام عن طريق الشورى لا هيمنة الإكراه.
وخلاصة لذلك نجد أن أسلوب اختيار الحاكم في الإسلام هو نفس الأسلوب الذي تتبعه أوربا الديمقراطية في القرن العشرين وحسب أحدث دساتير العالم فالإسلام قد سبق هذه الدساتير وهذه الأمم في إرساء قيم إنسانية تتماشى مع حياة الإنسان ، فالحاكم يرشح أولا من حزبه أو جماعته أو} أهل الشورى في الإسلام{ ولكن هذا الترشيح لا يصبح تعيينا نافذ المفعول إلا بعـد انتخابات عامة} أي بالبيعة في الإسلام { .
وأن الحاكم المسلم لا يتولى السلطة إلا بعد بيعة وانتخابات أي برضى الناس ورغبتهموقد مثل الخليفة عمر بن عبد العزيز الأنموذج الحي لطريقة اختيار الحاكم في الإسلام حيث خلع البيعة عندما آل ملك بني أمية إلى الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز بالوراثة دخل المسجد فخطب الناس قائلاً ( أيها الناس إن قد ابتليت بهذا الأمر } أي وراثة الحكم { على غير رأي مني ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ) . ابن الجوزي ( سرة عمر بن عبد العزيز) ص 53 –مطبعة المؤيد القاهرة عام 1331ه تحقيق محب الدن الخطيب وتاريخ الحلفاء للسيوطي ص 153 – إدارة المطبعة النوبية عام 1315ه فهو لم يأخذ البيعة لنفسه وهو في السلطة والحكم بل خلع نفسه أولاً ولم يقبل الحكم بعد ذلك إلا بعد بيعة حرة ، فالجماهير التي رأت فيه الصلاح هي التي اختارته مرة أخرى باعتباره الأجدر .
فالشورى أصل من أصول الحياة في الإسلام وهي أوسع مدى من دائرة الحكم لأنها قاعدة حياة الأمة المسلمة كما تدل الآية ، أما طريقة الشورى فلم يحدد لها نظاماً خاصاً وتطبيقها إذن متروك للظروف والمقتضيات ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير المسلمين فيما لم يرد فيه وحي ويأخذ برأيهم فيما هم اعرف به من شؤون دنياهم كمواقع الحرب وخططها .. سمع لرأيهم في غزوة بدر فنزل على ماء بدر بعد نزوله على مبعدة منه وسمع لرأيهم في حفر الخندق وسمع لهم في الأسرى مخالفاً رأي عمر حتى نزل الوحي بتأييد عمر وأما ما كان فيه وحي فلا مجال فيه للشورى بطبيعة الحال فهو مقرر من مقررات الدين .
*العــــدل*
تسعى حركات الإسلام السياسي إلى تطبيق مبادئ العدل فالعدل من المبادئ التي يقوم عليها الحكم في الإسلام فهو قيمة إنسانية لا بد من توفرها لتكوين مجتمع إنساني حيث يأمر المولى عز وجل بالعدل في الحكم ، قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } سورة النساء الآية ( 58) . تلك القيمة التي يأمر الله بها في إنفاذ الحكم حيث يأمر الحاكم أن يتوخى العدل في حكمه حتى لا يتضرر البرئ( ومن مزايا التشريع الإسلامي أن هدفه إقامة العدل المطلق بين الناس جميعاً أنظر المقاصد العامة للشريعة الإسلامية – الواثق عطا المنان محمد احمد بدون تاريخ طبع أو مكان ص4 .
إن المجتمع الذي يتحقق فيه العدل ولو في وحده الأدنى فإنه يكون أكثر استقراراً من بقية المجتمعات التي لا يتوفر فيها العدليقول سيد قطب : ( تقوم سياسة الحكم في الإسلام بعد التسليم بقاعدة الإلوهية الواحدة والحاكمية الواحدة على أساس العدل من الحكم والطاعة من المحكومين والشورى بين الحاكم والمحكوم وهي خطوط أساسية كبيرة تتفرع منها سائر الخطوط التي ترسم شكل الحكم وصورتهانظرالعدالة الاجتماعية في الإسلام – سيد قطب – دار الشروق بيروت ط1995م ص 80 .
لقد تحدث الإسلام عن هذا العدل كقيمة إنسانية وأمر صاحب هذا العدل ان لا يتحرج ولا يتردد في قول الحق مهما كلفه هذا الأمر من المتربصين ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } سورة المائدة الآية (8)
وعلى صاحب هذا العدل ان لا يتأثر بصلة القرابة وغير ذلك من دواعي الانحياز غير العادل ، قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُـمْ بِـهِ لَعَلَّكـُمْ تَذَكَّرُونَ } سورة الأنعام الآية (152) .
إن الإسلام أهتم بمبدأ العدل المطلق وأمر به المجتمع المسلم ( فالعدل المطلق الذي لا يميل ميزانه الحب والبغض ولا تغير قواعده المودة والشنآن، العدل الذي لا يتأثر بالقرابة بين الأفراد ولا بالتباغض بين الأقوام فيتمتع به أفراد الأمة الإسلامية جميعاً لا يفرق بينهم حسب ولا نسب ولا مال ولا جاه كما تتمتع به الأقوام الأخرى ولو كان بينهما وبين المسلمين شنان وتلك قمة العدل لا يبلغها أي قانون دولي إلى هذه اللحظة ولا أي قانون داخلي ، والذين يمارسون هذا عليهم أن يراجعوا عدالة الأقوياء والضعفاء بين الأمم وعدالة المتحاربين بعضهم مع بعض ، ثم عليهم أن يراجعوا عدالة البيض للحمر والسود في الولايات المتحدة وعدالة البيض للملونين في جنوب إفريقيا وعدالة الشيوعيين والوثنيين والصليبين للمسلمين في روسيا والصين ويوغسلافيا والهند والحبشة وفي الإشارة ما يفتي فهي أحوال معاصرة يعلمها كل إنسان . ليس هناك شئ ابعث للشقاء والفتن وإثارة للقلق وعدم الاطمئنان بين الأفراد والجماعات من سلب الحقوق واغتيال الأقوياء حقوق الضعفاء وتسلط الطغاة على الآمنين المسالمين ) . للمزيد ( الإسلام عقيدة وشريعة – محمد شلتوت – دار الشروق القاهرة ط 8 عام1975م ص 444..
اهتمام الإسلام بالعدل يأتي لأن فغياب العدل يعني سيادة الظلم والظلم والجريمة لا يفترقان وكلما أحس الفرد بالظلم لجأ إلى الانتقام لتسود الفوضى المجتمع بينهم يدعو الإسلام إلى الاستقرار والسلام والطمأنينة ، لذلك أهتم الإسلام بالعدل وأمر المولى عز وجل به ، قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } سورة النحل الآية (90).
إن أمر المولى عز و جل بهذا العدل إما يأتي لأن العدل هو أساس قيام المجتمع الصالح المترابط لذا أمر المولى عز وجل به المسلمين سواء على مستوى أفراد أو على مستوى جماعات سواء كانوا حكاما أو محكومين ولأن العدل يترك أثرا ايجابيا على حياة المجتمع كان التشديد من المولى عز وجل بضرورة سيادة العدل بين المجتمع .
وجه الحقيقة إبراهيم شقلاوي سد النهضة : تشغيل بلا شراكة..!
في 24 أغسطس 2025، أقدمت إثيوبيا على فتح ثلاث بوابات من المفيض العلوي في سد النهضة، بعد أن …