خواطر ابن الفضل أبو جهل العصر… حين يلبس الجهل ثوب الشهادات د. محمد فضل محمد

لقد ابتلينا في هذا الزمان بنماذج تحمل شهادات عليا، لكنهم إذا اقتربوا من الدين أظهروا جهلًا مركبًا، لا يفرّقون فيه بين صحيح وباطل، ولا بين حق وزيف. وهم مع هذا الجهل يلبسون ثوب العلم، ويتكلمون في العقيدة والشريعة بغير علم، ويهزأون بالنصوص، ويصبغون من يخالفهم بأوصاف ساقطة: “أهبل”، “جاهل”، “رجعي”.
والمفارقة أنهم كلما ضاق بهم النقاش وافتضح جهلهم، لجؤوا إلى أسلوب التهديد والوعيد: إمّا أن يقبل الناس إهانتهم، وإمّا أن يُسكتوا المخالف إذا كان في موضع قرار، أو يُقصى من ساحات الحوار في المجالس والقروبات. وهكذا يظهرون في صورة “حماة الديمقراطية”، لكنهم في حقيقتهم أشدّ الناس دكتاتورية؛ لا يقبلون رأيًا آخر، ولا يحتملون أن يُردّ عليهم بالحجة والبرهان.
وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم؛ فقد سبقهم إليها أبو لهب وامرأته أم جميل، وهما من أهل الفصاحة والبيان، لكنهما لما عجزا عن مواجهة الحق لجآ إلى السباب. قالت أم جميل:
«مذممًا أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا».
فأبطل الله مقالتها بقرآنه: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد:1].
واليوم نسمع صدى كلماتها في أقلام وألسنة من يزعمون الاستنارة:
١. سيد القمني: ملأ كتبه طعنًا في النصوص الشرعية، وزعم أن الدين صناعة بشرية متحالفة مع السلطة، ثم مات ولم يترك إلا شبهات أوهى من بيت العنكبوت.
٢. نصر حامد أبو زيد: تعامل مع القرآن كنص بشري، فأنكر الوحي، وانتهى أمره بحكم قضائي شهير قضى بردته وفصله عن زوجته.
٣. فرج فودة: تبنى الفكر العلماني وهاجم الشريعة، فصار ذكره مقرونًا بالطعن في الدين لا غير.
٤. عدنان إبراهيم: اشتهر بخطبه ومناظراته، لكنه انحرف في مسائل عقدية وأصولية خطيرة؛ فتأول النصوص القطعية، ومال إلى طرح يخلط الحق بالباطل، حتى صار مرجعًا لأهل الريب، لا لأهل السنة واليقين.
كلهم، وإن اختلفت مناهجهم ومجالاتهم، فإنهم اجتمعوا على لغة واحدة: الاستخفاف بالدين والسخرية من أهله، تمامًا كما قالت أم جميل قديمًا: «ودينه قلينا».
قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ [مريم:75]. فالشهادات والرتب لا تزيد صاحب الضلالة إلا غفلة وبعدًا، أما العلم الحق فهو ما أورث الخشية، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:28].
وصدق المثل السوداني: «القلم ما بزيل بلم». فكم من صاحب شهادة عليا إذا جئت إلى دينه وجدته لا يساوي شيئًا في الفهم، بل يتخبّط في جهل شديد، ويغطّي هذا الجهل بالصوت العالي، أو بلغة الوعيد، أو بادعاء أنه ضد الرجعية وحارس الديمقراطية. وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن حرية الرأي؛ لأنه لا يقبل إلا صوته، ولا يرى إلا نفسه. وهم على نهج فرعون في ديكتاتوريتهم سائرون، يفرضون رؤيتهم على الناس كأنها الحق المطلق، وقد قصّ الله لنا قول فرعو قال تعالى (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[غافر ، ٢٩] فصاروا نسخة مكرّرة من استبداده وإن غيّروا الشعارات.
إن الإسلام دين بيان وحجة، كما أنه دين سنان وسيف. لا يخشى النقاش، ولا يهاب الحوار، بل يقيم الحجة ويدعو إلى البرهان. ولن يضر الإسلامَ من سلك طريق أبي جهل وأم جميل مهما زخرفوا أقوالهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» [رواه مسلم].
وفي الختام إن الواجب على المصلحين ألا يتركوا الساحة لمثل هؤلاء يعبثون بعقول الناس. فهؤلاء ليسوا باحثين عن الحق، وإنما دعاة فتنة، يخلطون الجهل بالغرور، ويستظلون بعباءة الديمقراطية وهم في حقيقتهم أبعد الناس عنها. فلا بد من التصدي لهم بالحجة والبيان، وكشف تناقضاتهم أمام العامة والخاصة، ليبقى الإسلام ظاهرًا، ويُحفظ المجتمع من زيفهم.
الهندي عزالدين التحية لجيشنا العظيم ومنظومة الصناعات الدفاعية
ودّعنا فجر أمس ، من محطة السد العالي في “أسوان” الجميلة الرائعة ، ركاب القطار …