‫الرئيسية‬ مقالات شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر التراث الثقافي: حجر الزاوية لإعادة الإعمار
مقالات - ‫‫‫‏‫9 ساعات مضت‬

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر التراث الثقافي: حجر الزاوية لإعادة الإعمار

شئ للوطن  م.صلاح غريبة – مصر  التراث الثقافي: حجر الزاوية لإعادة الإعمار

Ghariba2013@gmail.com

لا شك أن السودان يمر بمرحلة مفصلية تتطلب رؤية شاملة لإعادة البناء لا تقتصر على الهياكل المادية فحسب، بل تمتد لترميم الروح والهوية الوطنية التي يمثلها التراث الثقافي. بعد ويلات الحرب، يصبح الاهتمام بهذا التراث، بشقيه المادي وغير المادي، ضرورة قصوى لتحقيق التعافي المستدام وبناء مستقبل مزدهر.

التراث الثقافي السوداني، بتنوعه وغناه المستمد من الحضارات النوبية القديمة والممالك الإسلامية والعادات والتقاليد المتفردة، هو أصل الهوية والذاكرة الجمعية للشعب. في مرحلة ما بعد الحرب، لا يمثل التراث مجرد آثار وقصص، بل مورد أساسي للمصالحة والوحدة الوطنية. إن حماية وصيانة المواقع الأثرية والمتاحف المتضررة، وتوثيق التراث الشفهي المهدد بالضياع، هو بمثابة إعادة بناء الثقة في قدرة الأمة على الحفاظ على جذورها.

يجب أن تتجاوز عملية الحماية الترميم المادي لتشمل تمكين المجتمعات المحلية في المناطق الأثرية والثقافية، وضمان أن تكون جزءًا أصيلًا من جهود الحماية والإدارة، ما يعزز الانتماء ويحول التراث من عبء إلى قوة دافعة للتنمية.

يكمن في التراث الثقافي غير المادي (كالموسيقى، الرقصات، الحرف اليدوية، الأزياء، وفنون الطبخ) كنز يمكن تحويله إلى صناعات إبداعية حقيقية. إن التركيز على هذه الصناعات يمثل استثمارًا في الابتكار الغير المادي الذي يعتمد على الإبداع البشري. هذه الصناعات لا توفر فرص عمل مستدامة للشباب فحسب، بل تمثل جسرًا للحوار العالمي.

من خلال تصدير المنتجات الثقافية السودانية المعاصرة والمستلهمة من التراث، يمكن للسودان أن يقدم للعالم صورة جديدة ومختلفة عن نفسه، صورة تتمحور حول الإبداع والسلام لا الصراع. إن دعم ريادة الأعمال الثقافية في مجالات كالتصميم الرقمي والموضة المستدامة والفنون البصرية يمكن أن يفتح آفاقاً للتعاون مع المؤسسات الثقافية الدولية، مما يعزز الاحترام المتبادل ويساهم في دبلوماسية ثقافية فاعلة.

يعتبر الاهتمام المكثف بقطاع السياحة (بشقيه الثقافي والبيئي) إحدى أسرع الطرق لتحقيق الإيرادات وتوفير العملات الصعبة. يمكن للسودان، بأهراماته الفريدة والمواقع الأثرية الأخرى، أن يستعيد مكانته على خارطة السياحة العالمية، ولكن هذا يتطلب تأمين المواقع، تطوير البنية التحتية السياحية، والتدريب المهني للكفاءات المحلية.

إعادة الإعمار تتجاوز الإمكانيات المحلية. الشراكات مع المنظمات الدولية (مثل اليونسكو) والحكومات الصديقة أمر حيوي للحصول على الدعم المالي والتقني اللازم لحماية وترميم المواقع الأثرية، وبناء قدرات المؤسسات الثقافية. يجب أن يكون التعاون الثقافي جزءًا أساسيًا من أي خطة دبلوماسية.

ريادة الأعمال الثقافية هي المحرك الذي يحول الإبداع إلى قيمة اقتصادية واجتماعية. دعم رواد الأعمال الشباب الذين يدمجون التراث في مشاريع حديثة (كالمقاهي الثقافية، المعارض الفنية، منصات التوثيق الرقمي) يضمن استدامة الحراك الثقافي ويخلق فرصًا للتعبير الهادف والمجتمعي.

إن النظر إلى التراث الثقافي ليس كرفاهية ما بعد الإعمار، بل كأولوية في مرحلة التعافي، هو ما يضمن أن يكون السودان المستقبلي بلدًا متصالحًا مع ماضيه، ومنفتحًا على مستقبله، وفاعلًا في حواره العالمي.

‫شاهد أيضًا‬

الهندي عزالدين  التحية لجيشنا العظيم ومنظومة الصناعات الدفاعية

ودّعنا فجر أمس ، من محطة السد العالي في “أسوان” الجميلة الرائعة ، ركاب القطار …