‫الرئيسية‬ مقالات أصل_القضية من سلسلة الجسر والمورد يسألونك عن الديمقراطية… فقل: أين النخب السياسية؟ محمد أحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية
مقالات - ‫‫‫‏‫أسبوعين مضت‬

أصل_القضية من سلسلة الجسر والمورد يسألونك عن الديمقراطية… فقل: أين النخب السياسية؟ محمد أحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

أصل_القضية  من سلسلة الجسر والمورد  يسألونك عن الديمقراطية… فقل: أين النخب السياسية؟  محمد أحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

> “حين تسقط الأنظمة ولا تنهض العقول… تولد ديمقراطيات مشلولة تبحث عن منقذ جديد بثياب قديمة.” (جين شارب )

في مقال الأمس من هذه السلسلة، «الانتقال في السودان… بين ضرورات الانضباط وحدود المرونة»، ناقشنا أن الديمقراطية لا تُبنى ضد الجيوش بل معها، وأن الانضباط العسكري يمكن أن يكون الضمان الأصدق للحرية إن أُحسن توظيفه في مشروع الدولة.

أما اليوم، فنمدّ ذلك النقاش إلى عمقه الفكري والاجتماعي، إذ لا معنى للانتقال العسكري–المدني من دون نخبةٍ سياسيةٍ تمتلك الوعي المؤسسي القادر على تحويل الحرية إلى بناء، والانضباط إلى رؤية.

فإن كان المقال السابق قد تناول الجيش كقوةٍ منضبطة يجب أن تُدمج في الدولة، فإن هذا المقال يسلّط الضوء على النخبة كعقلٍ وطني يجب أن يُدمج في الوعي الجمعي.

إنه انتقال من سؤال القوة إلى سؤال الوعي، ومن معادلة الانضباط إلى معادلة الإدراك السياسي.

أولا: الديمقراطية بين النص والعقل

الديمقراطية ليست نصًا في الوثيقة الدستورية، بل ثقافة في الوعي الجمعي.

إنها ليست انتخابات تُجرى، بل مؤسسات تُبنى، ومسؤوليات تُمارس بانضباطٍ فكريٍّ قبل أن تكون حرية قولٍ أو فعل.

لكن النخب السودانية، بعد الثورة، تعاملت مع الديمقراطية كأنها ترخيصٌ بالسلطة لا التزامٌ بالواجب.

تحولت المكاتب الحزبية إلى غرفٍ مغلقة تعيد تدوير الأسماء نفسها، في حين ظل الشارع يفتح صدره للحلم دون أن يجد من يؤطّره في مشروع وطني جامع.

هنا تكمن المفارقة:

لقد كانت الثورة فرصة لإعادة تأسيس العلاقة بين الحرية والانضباط، لكنها تحولت إلى ساحة اختبار بين العسكري والمدني، بدل أن تكون ميدانًا لتكاملٍ بينهما.

ثانيا: من “جين شارب” إلى “نارسيس سيرا” – الدرس الغائب

حين كتب “نارسيس سيرا” عن “الانتقال العسكري”، لم يقصد أن الجيوش يجب أن تتنحى عن الدولة، بل أن تتطور وظيفيًا لتصبح جزءًا من النظام الديمقراطي نفسه.

وهذا ما فشلنا في إدراكه: أن الجيوش لا تُقصى، بل تُصلح.

وأن الديمقراطية التي تُبنى ضد الجيش تولد بقدمٍ مكسورة لا تستطيع السير طويلًا.

أما “جين شارب” فقد أشار إلى أن نجاح الانتقال لا يقوم على “إسقاط الدكتاتور”، بل على تفكيك بنيته الذهنية داخل المجتمع، في الحزب، في النقابة، وفي الجامعة.

لكن نخبنا ظلت أسيرة ذات البنية التي ثارت ضدها.

فكيف لديمقراطية أن تولد من رحم عقلٍ لم يتحرر بعد؟

ثالثا: أين النخب السياسية من سؤال الوعي؟

منذ ٢٠١٨م وحتى اليوم، يمكن تلخيص المشهد في سؤال واحد:

> من يقود من؟ الشارع أم النخبة؟

قد كان الشارع أكثر وعيًا من قادته.

الناس طالبت بالكرامة لا بالمناصب، بالعدالة لا بالمحاصصة، لكن النخب تعاملت مع الثورة كغنيمة مؤجلة، لا كمسؤولية مؤسِّسة.

وحين انهار التوازن بين المدني والعسكري، لم يجد السودان من يقول:

“الجيش ليس خصمًا للديمقراطية، بل أحد أركان استقرارها.”

بل رأينا خطابًا شعبويًا يقصي كل ما هو منضبط، ويستبدل الرؤية بالصوت العالي.

رابعا: رؤية الجسر والمورد – من التنازع إلى التكامل

رؤية الجسر والمورد تأتي هنا كإطار بديل:

لا تسأل “من يحكم؟” بل “كيف نحكم؟”

فالحكم الرشيد ليس صراعًا بين البزة العسكرية والبدلة المدنية، بل شراكة في ضبط الإيقاع الوطني.

> الجسر هو ما يربط الانضباط بالمرونة،

> والمورد هو ما يحوّل الطاقة الخلافية إلى طاقة بنّاءة.

وفق هذه الرؤية:

●العسكري ليس آلة قوة بل ضمان للعقل المؤسسي.

●المدني ليس خصمًا للانضباط بل مكمّل للرؤية.

والدولة هي المساحة التي تلتقي فيها الواجبات لا الألقاب.

فحين يغيب هذا التكامل، تولد أنظمة عرجاء:

مدنية بلا مؤسسات، أو عسكرية بلا رؤية.

خامسا: من الديمقراطية الشكلية إلى الوعي المنتج

إن السودان لن يبني ديمقراطيته عبر مؤتمرات النخب ولا عبر تغريدات التحليل السياسي، بل عبر إعادة هندسة العلاقة بين القوة والإنتاج.

وهنا جوهر فكرة الجيش المنتج التي تطرحها استراتيجية الجسر والمورد:

●جيش يحمي الأرض ويبنيها،

دولة تحكم بالانضباط وتنتج بالوعي،

●ومجتمع يرى في السلطة وسيلة للبناء لا للغلبة.

الديمقراطية لا تزدهر في فراغٍ اقتصادي، ولا تنمو في ظل فوضى تنظيمية.

هي ثمرة بيئةٍ منضبطة تؤمن بالمساءلة بقدر ما تؤمن بالحرية.

#أصل_القضية:من سؤال الديمقراطية إلى سؤال النخبة

يسألونك عن الديمقراطية…

فقُل لهم: الديمقراطية لا تُصنع في الشارع وحده، ولا في القصر وحده، بل في عقل النخبة حين تتواضع لتتعلم من الأمة.

فقبل أن نسأل: “أين الجيش؟” أو “أين المدني؟”، علينا أن نسأل:

> “أين النخبة التي تعرف متى تصمت لتفكر، ومتى تتكلم لتبني؟”

إنها ليست أزمة حكم، بل أزمة وعي سياسي فقد القدرة على التحوّل إلى وعي وطني.

وحين يُستعاد هذا الوعي، لن نحتاج إلى جدالٍ حول شكل الحكم، لأن المضمون الوطني سيغلب الشكل السياسي.

فمن “جين شارب” إلى “نارسيس سيرا”،

ومن الثورة إلى الحرب،

ومن الحرب إلى الوعي،

يبقى الجسر والمورد طريقًا نحو دولةٍ تدمج الانضباط بالحرية،

وتحوّل الديمقراطية من شعارٍ عاطفي إلى مشروعٍ وطنيٍّ منتج.

> “الديمقراطية ليست شعارًا سياسيًا بل هندسة وعي وطني يجمع بين الانضباط والحرية.”

‫شاهد أيضًا‬

بالواضح فتح الرحمن النحاس تفاوض أو لاتفاوض..تحريك الحل من الوصفة الوطنية..إلي الإنتظار علي أعتاب التدويل..الحذر ياقيادة من فخ الرباعية..!!

*(١)* *كل مشكلة حول العالم تجري علي أطرافها مفاوضات لإيجاد وصفة للحل، ولم يكن السودان في ي…