رسالة إلى من يطالبون بوقف الحرب في السودان — بين الدعوات الإنسانية والغايات السياسية لتمكين المليشيا الإرهابية بقلم .د. النذير إبراهيم محمد أبوسيل المستشار القانوني الدولي – مبعوث المحكمة الدولية لتسوية المنازعات

🔹 تمهيد:
إلى من يرفعون شعار “وقف الحرب في السودان”،
نقول بصدقٍ ووضوحٍ ووعيٍ كاملٍ بما يجري على أرض الواقع:
إنّ الحرب التي يشهدها السودان لم تكن خيارًا للحكومة السودانية، ولا للشعب السوداني، ولا لمؤسساته الوطنية الراسخة، بل فرضتها مليشيا ال دقلو الإرهابية (المعروفة سابقًا بالدعم السريع) التي خرجت عن القانون والدستور، وتمردت على الدولة في الخامس عشر من أبريل عام 2023، حين بادرت بالهجوم على المقارّ السيادية والعسكرية، واحتلت المدن، واعتدت على المواطنين العزّل وممتلكاتهم.
لقد اندلعت الاشتباكات المسلحة يوم 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية – وهي المؤسسة الوطنية الدستورية الوحيدة المخوّلة قانونًا ومسؤوليةً بحماية السودان أرضًا وبحرًا وجوًا – وبين مليشيا ال دقلو الإرهابية التي تمرّدت على الدولة وهاجمت مؤسساتها الشرعية.
ومنذ اللحظة الأولى، أثبتت هذه المليشيا أنها لا تحمل أي أهداف وطنية أو رؤى إصلاحية، بل تنفذ أجنداتٍ خارجية بالوكالة تستهدف تمزيق السودان وطمس هويته ونهب موارده الطبيعية، وذلك بدعمٍ مباشر من دولة الإمارات العربية المتحدة وبعض القوى الإقليمية والدولية الأخرى.
🔹 من أشعل الحرب ومن يواصل جرائمها؟
إنّ مليشيا ال دقلو الإرهابية هي التي أشعلت الحرب ضد السودان وشعبه ومؤسساته، وارتكبت منذ اليوم الأول انتهاكات جسيمة، موثقة دوليًا ومحليًا، تمثلت في:
• جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والقتل الجماعي ضد المدنيين في العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وكردفان والجزيرة والولايات الشمالية والنيل الأبيض وجميع أنحاء البلاد
• جرائم الاغتصاب المنهجي ضد النساء والفتيات في انتهاك صارخ للشريعة الإسلامية وللقانون الدولي الإنساني.
• النهب الواسع للبيوت والمصارف والمنشآت العامة والخاصة.
• احتلال المنازل والمقار الحكومية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية.
• تجنيد الأطفال واستخدامهم كدروع بشرية.
• تهجير الملايين من المواطنين داخليًا وخارجيًا، مما خلق أكبر أزمة إنسانية في تاريخ السودان الحديث.
هذه الجرائم وغيرها تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقًا لما نصت عليه اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وبناءً على ذلك، فإنّ المسؤولية الجنائية الدولية تقع أولًا على قيادة مليشيا ال دقلو الإرهابية، ومن خلفها الدول الداعمة لها بالمال والسلاح والإعلام والمعلومات الاستخباراتية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة.
🔹 حق السودان المشروع في الدفاع:
إنّ القوات المسلحة السودانية، بوصفها مؤسسة الدولة الدستورية، تمارس حقها وواجبها الوطني والقانوني في حماية السودان أرضًا وبحرًا وجوًا من أي عدوانٍ أو تمردٍ مسلح، استنادًا إلى:
• المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تكفل للدول حق الدفاع الشرعي عن النفس ضد أي عدوان.
• القانون الدولي العام الذي يقرّ سيادة الدولة ووحدة أراضيها.
• الدستور القومي الانتقالي السوداني الذي ينص على أن القوات المسلحة هي الجهة المنوط بها حماية التراب الوطني والحفاظ على الأمن القومي.
• الشريعة الإسلامية الغرّاء التي قالت:
“وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (البقرة: 190).
وبذلك فإنّ الدفاع عن السودان وشعبه ومؤسساته ليس حربًا عبثية، بل واجب وطني وديني وأخلاقي وقانوني، تمليه كل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.
🔹 إلى من يطالبون بوقف الحرب:
إنّ الدعوات التي تصدر من بعض الدول والمنظمات والمبعوثين تحت عنوان “وقف الحرب في السودان”، وهي تتجاهل جذور الأزمة ومصدر العدوان، ليست دعوات إنسانية نزيهة، بل محاولات سياسية موجهة لإنقاذ المتمردين وتمكين المليشيا الإرهابية وداعميها.
نقول لتلك الجهات بكل وضوح:
إنّ السلام لا يُفرض بإيقاف الجيش الوطني عن أداء واجبه، ولا بفرض مساواة بين الدولة والمتمردين.
الإنسانية الحقة لا تُبنى على تبرئة القاتل وإدانة من يدافع عن وطنه.
والمطالبة بوقف إطلاق النار دون نزع سلاح المليشيا ومحاسبة قادتها تعني عمليًا تثبيت العدوان وتشجيع الإرهاب.
إنّ وقف الحرب الحقيقي يبدأ بوقف جرائم المليشيا الإرهابية، ومحاسبة داعميها، واستعادة سيطرة الدولة على كامل أراضيها.
🔹 الشعب السوداني قال كلمته:
لقد عبّر الشعب السوداني بصوتٍ واحدٍ وواضح:
لا مكان لمليشيا ال دقلو الإرهابية بيننا، لا في القوات المسلحة، ولا في المؤسسات السياسية، ولا في مستقبل السودان.
فمن ارتكب جرائم حرب، وأراق دماء الأبرياء، ودمّر العاصمة، وانتهك الأعراض، ونهب الممتلكات، لا يمكن أن يُمنح شرعية أو عفوًا أو تمكينًا سياسيًا تحت أي مسمى.
الشعب السوداني هو صاحب القرار والسيادة، وهو الذي يقرر مصيره دون وصاية أو إملاء من أي جهة خارجية.
🔹 رسالة إلى المجتمع الدولي والمنظمات:
نخاطب المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، والمنظمات الحقوقية والإنسانية كافة، بأن واجبها الأخلاقي والقانوني هو الوقوف مع الدولة السودانية الشرعية وجيشها الوطني، لا مع المليشيات والمرتزقة.
إنّ التغاضي عن جرائم المليشيا الإرهابية أو محاولة إعادة تأهيلها سياسيًا هو تواطؤ قانوني وأخلاقي ضد الشعب السوداني.
إنّ السودان يؤمن بالسلام، لكنه يرفض الاستسلام والوصاية.
ويرحب بالجهود الدولية للسلام العادل، بشرط أن يُبنى على العدالة والمساءلة، واحترام سيادة السودان ووحدة أراضيه، وتجريم كل دعم خارجي للمليشيات.
🔹 خاتمة:
إنّ السودان، جيشًا وحكومةً وشعبًا،
متمسكٌ بسيادته واستقلال قراره الوطني،
وسيظل يمارس حقه المشروع في الدفاع عن أرضه وشعبه حتى يتحقق الأمن والسلام الحقيقي،
سلامٌ يقوم على العدالة والمساءلة والاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدة أراضيه.
قال تعالى:
“فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” (البقرة: 194).
شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر صرخة في مهب الحرب: الفقر في السودان واليوم العالمي للقضاء عليه
Ghariba2013@gmail.com يأتي اليوم العالمي للقضاء على الفقر (17 أكتوبر) ليذكّر العالم…