‫الرئيسية‬ مقالات شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر صرخة في مهب الحرب: الفقر في السودان واليوم العالمي للقضاء عليه
مقالات - ‫‫‫‏‫20 ساعة مضت‬

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر صرخة في مهب الحرب: الفقر في السودان واليوم العالمي للقضاء عليه

شئ للوطن  م.صلاح غريبة – مصر  صرخة في مهب الحرب: الفقر في السودان واليوم العالمي للقضاء عليه

Ghariba2013@gmail.com

 

يأتي اليوم العالمي للقضاء على الفقر (17 أكتوبر) ليذكّر العالم بواجب أخلاقي وإنساني تجاه ملايين البشر الذين يعيشون تحت وطأة الحرمان. هذا اليوم، الذي أقرته الأمم المتحدة، ليس مجرد احتفالية سنوية، بل هو دعوة لتجديد الالتزام بالهدف الأسمى للتنمية المستدامة: القضاء على الفقر بجميع أشكاله وفي كل مكان. ولكن عندما يتحول التركيز من سياسات التنمية إلى ضرورات النجاة، كما هو الحال في السودان، تكتسي هذه المناسبة أهمية مضاعفة ومؤلمة.

إن الفقر في السودان ليس ظاهرة جديدة، لكنه تحول بفعل الحرب الدائرة إلى كارثة إنسانية متفاقمة. فالحرب، بطبيعتها المدمرة، لا تكتفي بسلب الأرواح وتدمير البنى التحتية، بل تنهش أيضاً ما تبقى من مقومات العيش الكريم، دافعة بملايين الأسر إلى هوة الإفلاس والجوع. لقد أدت النزاعات المسلحة إلى نزوح داخلي ضخم، وتوقف شبه كامل للنشاط الاقتصادي في مناطق واسعة، وفقدان مريع لسبل العيش التي كانت توفر الحد الأدنى من الكرامة. تحولت المصانع والورش والمزارع، التي كانت تشكل عصب الاقتصاد المحلي، إلى أهداف أو ساحات معارك، مما ألقى بعشرات الآلاف من العمال إلى صفوف العاطلين عن العمل، ومن ثم إلى دائرة الفقر المدقع.

في هذا السياق المأساوي، يصبح تخفيف حدة الفقر في السودان ليس مجرد هدف تنموي، بل ضرورة حرب ملحة. إنّ استمرار العنف، وتدهور الأمن الغذائي والصحي، يعني أن الملايين معرضون لخطر المجاعة والأمراض التي تفتك بهم بهدوء أشد من الرصاص. فالفقر والعوز يشكلان بيئة مثالية للأوبئة واليأس، ويقوضان أي محاولة لبناء السلام أو الاستقرار في المستقبل. عندما يفتقد الأبوان القدرة على إطعام أطفالهما، يصبح الحديث عن الحلول السياسية بعيداً عن الواقع المعاش.

لذلك، يجب أن تتحول أولويات الاستجابة الدولية والمحلية لتركز بشكل عاجل على الجانب الإغاثي والاقتصادي المباشر بالإغاثة الفورية كجسر للنجاة وتوفير الغذاء والدواء والمأوى ليس عملاً خيرياً فحسب، بل هو إجراء وقائي لحماية النسيج الاجتماعي من التمزق الكامل. يجب ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، خاصة للمناطق التي يصعب الوصول إليها والتي تعاني من أعلى معدلات سوء التغذية.

دعم سبل العيش المرنة حتى في ظل الحرب، يمكن دعم المشاريع متناهية الصغر والمتوسطة في المناطق الأكثر استقراراً، والعمل على تأهيل العائدين والنازحين بمهارات جديدة تضمن لهم مصادر دخل بديلة، حتى وإن كانت بسيطة.

الحماية الاجتماعية المتكيفة بتفعيل شبكات الحماية الاجتماعية القائمة على المبادرات المجتمعية (مثل لجان الأحياء والمطابخ الجماعية) وتقديم الدعم المالي المباشر للأسر الأكثر ضعفاً، خاصة النساء والأطفال الذين هم أكثر الفئات تضرراً.

إن اليوم العالمي للقضاء على الفقر في ظل أزمة السودان يُلزمنا بأكثر من مجرد التفكير. إنه يفرض علينا تحويل الشعارات إلى برامج عملية تضع الإنسان السوداني المتضرر في صدارة الاهتمام. لا يمكن الحديث عن بناء مستقبل مستقر ومزدهر دون انتشال ضحايا هذه الحرب من براثن الفقر المدقع أولاً. التخفيف من حدة الفقر اليوم هو بمثابة استثمار في السلام الذي نرجوه غداً. فلو كان الفقر رجلاً، لقُتل في كل يوم تندلع فيه حرب.

‫شاهد أيضًا‬

 رسالة إلى من يطالبون بوقف الحرب في السودان — بين الدعوات الإنسانية والغايات السياسية لتمكين المليشيا الإرهابية  بقلم .د. النذير إبراهيم محمد أبوسيل المستشار القانوني الدولي – مبعوث المحكمة الدولية لتسوية المنازعات

🔹 تمهيد: إلى من يرفعون شعار “وقف الحرب في السودان”، نقول بصدقٍ ووضوحٍ ووعيٍ كاملٍ بما يجري…