وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي التسوية السياسية واستحقاقات العدالة..!

يشهد الملف السوداني هذه الأيام ضغوط دولية وإقليمية لدفع الأطراف السودانية نحو تسوية سياسية خانعة، تتعدد دوافعها وتتناقض أهدافها.
لقاء في القاهرة الخميس جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بكبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، مسعد بولس، تناول سبل إنهاء الحرب في السودان والتي تدخل عامها الثالث. جاء اللقاء في سياق الرباعية الدولية، والتي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات.
وقد بدأ واضحًا من التصريحات الرسمية أن القاهرة تسعى لتثبيت موقعها كضامن إقليمي لأي تسوية مقبلة، بالنظر إلى ما أنجزته في غزة بينما تتطلع واشنطن إلى إعادة ضبط توازنات الإقليم من بوابة الملف السوداني.
في المقابل شهدت العاصمة الإيطالية روما ،تحركًا دبلوماسيًا موازياً، ضم السعودية وتشاد والولايات المتحدة، في محاولة لصياغة رؤية مشتركة حول مستقبل السودان. وبهذا يبدو أن الرباعية تعمل على فرض تسوية تُعيد إنتاج الاتفاق الإطاري السابق، لكن بحلّة معدّلة، تسعى لدمج ميليشيا الدعم السريع ضمن المشهد السياسي، بعد نزع سلاحها، وإعادة تدويرها كجزء من المرحلة الانتقالية.
غير أن هذه المقاربة التي تتجاهل الواقع الدموي للحرب، وتحاول شرعنة ميليشيا متورطة في انتهاكات واسعة، تصطدم بإرادة داخلية لا تزال تُراهن على استرداد الدولة، لا اقتسامها.
معلوم أن الرؤية التي تسوّقها الرباعية لا تنطلق من مصالح السودانيين، بقدر ما تعبّر عن مصالح الأطراف الضالعة في هذا التحالف الظرفي، وخصوصًا الإمارات التي يحمّلها السودانيين المسؤولية المباشرة في دعم مليشيا الدعم السريع، سواء بالمال أو بالسلاح، عبر قنوات تم الكشف عنها.
وبهذا، فإن إشراكها في تسوية ، يطرح تساؤلات أخلاقية وسياسية لا يمكن القفز فوقها، خاصة في ظل تقارير موثقة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في مناطق مثل الجنينة ونيالا والخرطوم وود النورة والهلالية.
فوق كل ذلك، تبرز المعضلة الكبرى: ماذا عن حقوق ملايين السودانيين الذين فقدوا منازلهم، وممتلكاتهم، وأُجبروا على النزوح أو واجهوا الموت والاغتصاب والتجويع؟ أي تسوية لا تضع العدالة في قلبها، ولا تضمن محاسبة الجناة، ستكون مجرد مسرحية سياسية تُكرّس الإفلات من العقاب، وتُراكم أسباب الانفجار القادم.
إن جبر الضرر، حق قانوني وأخلاقي، والتعويض المادي والمعنوي لا يمكن فصله عن أي مسار حقيقي للسلام.
وفي ظل انشغال اللجنة السياسية السيادية بترتيبات لمرحلة انتقالية جديدة، تشمل مشاورات مع قوى وطنية في بورتسودان، تتسرب المعلومات عن خطة تسعى لإعادة هندسة المشهد السياسي بآليات جديدة تبدأ بوقف إطلاق النار، وتنتهي بترتيبات انتقالية تحت رعاية الرباعية. لكن المخاوف تتعاظم من أن تكون هذه العملية إعادة إنتاج لنفس أدوات الخراب والخذلان القديم ،عبر تطمينات شكلية تُكرّس الحكم الانتهازي ، وتهمّش من دفعوا الثمن.
وإن كان من تسوية وطنية يمكن أن تُبنى، فهي تلك التي تضع المقاتلين الشرفاء الذين دافعوا عن الدولة في قلب المعادلة، لا من تاجروا بها أو مزقوها أو سعوا لتفكيكها. أما أن يُدار السودان من العواصم، وتُفرض عليه خرائط طريق جاهزة، تُعدّل بين الفنادق والخنادق، فهذا ليس سلامًا، بل امتداد لحرب بأدوات جديدة. فالشعب الذي سدد فاتورة الحرب لا يقبل بأن يصنع السلام من استباح الدماء ، واقام سلطانه علي اشلاء الضحايا.
السودانيون لا يرفضون فكرة التسوية بحد ذاتها، بل يرفضون سلاماً دون عدالة، ودون سيادة وطنية، ودون محاسبة. يرفضون أن تُدار البلاد من الخارج ، بينما هم يُواجهون الموت في الداخل. يرفضون أن يُعاد إنتاج نفس النخب السياسية الفاشلة التي صنعت الحرب ، وكأن شيئاً لم يكن.
ولعل انعقاد مجلس الأمن والدفاع، برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي عقد اجتماعه مؤخرا وسط هذه التداعيات ، يكشف أن البلاد مقبلة على مفترق طرق، بين تسوية تصنعها القوى الخارجية، وأخرى تُبنى على الأرض بإرادة اهل السودان . فالتاريخ لا يرحم، والشعوب التي لا تصنع مصيرها بإرادتها، هي شعوب لا تستحق الاحترام.
إن الأمر بحسب # وجه _الحقيقة لم يعد متعلقًا بمجرد وقف لإطلاق النار، بل بصياغة مشروع وطني قادر علي إخراج البلاد من التبعية والارتهان وتكريس العدالة، والوفاء لمن دافع عن الدولة ، لا مكافأة من باعها .
دمتم بخير وعافية.
السبت 18 أكتوبر 2025م Shglawi55@gmail.com
البرهان: لا تفاوض مع أي جهة كانت
قدم السيد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان…