‫الرئيسية‬ مقالات أصل_القضية  من سلسلة الجسر والمورد بنك السودان بين الطباعة الورقية والتحول الرقمي: أزمة أم فرصة؟  محمد أحمد أبوبكر محمود – باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية
مقالات - ‫‫‫‏‫6 ساعات مضت‬

أصل_القضية  من سلسلة الجسر والمورد بنك السودان بين الطباعة الورقية والتحول الرقمي: أزمة أم فرصة؟  محمد أحمد أبوبكر محمود – باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

أصل_القضية   من سلسلة الجسر والمورد  بنك السودان بين الطباعة الورقية والتحول الرقمي: أزمة أم فرصة؟   محمد أحمد أبوبكر محمود – باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

في المقال السابق من هذه السلسلة تحت عنوان «الوعي المالي… من إدارة الأزمات إلى إطلاق نيلوكوين»، طُرحت رؤية الجسر والمورد التي دعت إلى بناء وعي مالي وطني يقود التحول من الاعتماد على النقد الورقي إلى اقتصاد رقمي ذكي يقوم على الثقة والشفافية.

 

واليوم، تأتي هذه المقالة امتدادًا طبيعيًا لذلك الطرح، لتناقش التحدي المقابل تمامًا: نية بنك السودان لطباعة فئة نقدية أكبر، وهي خطوة قد تُعيد الاقتصاد إلى نقطة الخطر، إن لم تُدار بعقلانية اقتصادية ورؤية استراتيجية تستوعب التحولات التقنية والمالية الجديدة.

 

في زمنٍ تُشعل فيه الحرب نيران الفوضى، يبدو الاقتصاد السوداني كمنزلٍ ممتد على أرضٍ جافة، كل شرارة فيه قادرة على إشعال حريقٍ لا ينتهي. إنّ نية بنك السودان إصدار فئة نقدية أكبر في اقتصادٍ متضخم ليست مجرد خطوة فنية، بل هي بمثابة صبّ البنزين على النار؛ تسريع لدوامة التضخم، وتدميرٍ ممنهج لقيمة الجنيه السوداني، وصولاً إلى اهتزاز ثقة المواطن والدولة معًا.

 

حرب أبريل ٢٠٢٣م لم تترك خيارًا أمام الجميع سوى التكيف مع واقع جديد، حيث فرضت الظروف الميدانية ثقافة التعامل المصرفي الإلكتروني. هنا، ومع الفوضى، تكمن الفرصة؛ فالأزمات، كما يقول المثل الاستراتيجي، ليست سوى أبوابٍ مقفلة تُفتح لمن يعرف طريقها.

نية طباعة فئة نقدية أكبر في ظل تضخم متصاعد ليست مجرد خطأ اقتصادي محتمل، بل إشارة إلى عجز أدوات الدولة التقليدية في إدارة الاقتصاد. فالتضخم يلتهم القوة الشرائية، والمواطن يصبح رهينة يومية لسوقٍ سوداء تتحكم فيه قوى العرض والطلب، فيما تفقد الدولة قدرتها على توجيه الموارد واستدامة الخدمات الأساسية.

ومع ذلك، لا يزال أمام السودان خيارٌ آخر، طريقٌ مغاير لما اعتاد عليه صناع القرار. فوفق رؤية الجسر والمورد، فإن الحل لا يكمن في توسيع الكتلة النقدية، بل في توسيع قاعدة الثقة من خلال التحول الرقمي، الذي طُرح سابقًا في مبادرة نيلوكوين كعملة رقمية وطنية قادرة على تقليل الاعتماد على النقد الورقي، وتعزيز الشمول المالي، وإتاحة إدارة أفضل للسيولة.

ومن هنا، يمكن استثمار الأزمة لصناعة الفرصة:

●التحول الإجباري إلى التعاملات الرقمية يفتح الطريق لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وربطه بالاقتصاد الحقيقي.

●تبني حلول التمويل الإلكتروني والمبادرات الرقمية يعزز الشفافية، يقلل من الفساد، ويوفر أدوات أكثر دقة لإدارة السيولة النقدية.

●استغلال الأزمة لتحفيز الاستثمار في التكنولوجيا المالية والخدمات المصرفية المبتكرة، وبالتالي خلق نموذج اقتصادي أكثر مرونة واستدامة.

الأمر لا يقتصر على أرقام أو جداول اقتصادية؛ هو اختبار لقدرة السودان على التحول من فوضى مطلقة إلى اقتصاد رقمي ذكي، قادر على مواجهة الصدمات. فبينما يحرق التضخم الجيوب والقدرة الشرائية، يظهر جليًا أن الأزمة ليست النهاية، بل دعوة لإعادة رسم خريطة الاقتصاد على أسس رقمية جديدة تحمي المواطن وتضمن الاستقرار.

في قلب هذه النار، يكمن درس استراتيجي: من يملك الرؤية يستطيع تحويل الرماد إلى منصة للانطلاق. فما لم تُدار هذه المرحلة بعقلانية اقتصادية ورؤية رقمية شاملة، ستظل نية طباعة الفئة النقدية الأكبر خطوةً تُقارب صبَّ البنزين على اقتصادٍ يئنّ تحت وطأة الحرب والفوضى.

 من الطباعة الورقية إلى السيادة الرقمية: نيلوكوين كخيار وطني

إن مواجهة التضخم لا تكون بمزيد من الأوراق المطبوعة، بل ببناء ثقة رقمية تضمن قيمة العملة واستقرار السوق. فبينما تسعى بعض الدول إلى تكبير أوراقها النقدية، فإن السودان – إن امتلك الإرادة – يستطيع أن يكبُر برؤيته لا بورقته.

إن نيلوكوين ليست ترفًا تكنولوجيًا، بل خيارًا سياديًا وطنيًا لإعادة بناء الثقة، وتوحيد البنية المالية، وإطلاق السودان نحو اقتصاد الشفافية والسيادة الرقمية.

 رسالة لله، وللوطن، وللتاريخ

إلى السيد رئيس مجلس الوزراء د. كامل إدريس،

وإلى السيدة محافظ بنك السودان الأستاذة آمنة عبد الرسول،

إن تبنّي مشروع نيلوكوين ليس قرارًا تقنيًا فحسب، بل رسالة وطنية للعصر والتاريخ.

فبينما ينهار العالم من حولنا تحت وطأة الحرب، ما زال أمام السودان فرصة ليكون رائدًا في القارة الإفريقية عبر تأسيس أول عملة رقمية وطنية تنبع من رحم الأزمات لا من رفاه السلام.

إنها لحظة فارقة، إما أن نطبع المزيد من الورق، أو نطبع بصمتنا في التاريخ.

فلتكن نيلوكوين بوابة السودان إلى السيادة الرقمية، ودرع المواطن أمام التضخم، وجسر الدولة نحو المستقبل.

‫شاهد أيضًا‬

وهج الكلم د حسن التجاني الي فاشر السلطان تقودني روحي ثم احساسي… الحلقة (8)..!!

هدوء مزعج وبسالة جيش تصد هجوم المليشيا يوميا….وهلاك العشرات من افراد العدو ومازالت ح…