وجه الحقيقة إبراهيم شقلاوي سد النهضة وسؤال الأمن الغذائي ؟

في ظل الواقع المتأزم الذي تعيشه بلادنا نتيجة الحرب الممتدة، تتصاعد التحديات أمام الدولة في سعيها لتحقيق الأمن الغذائي، باعتباره قضيةً ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمستقبل الدولة ومصير الشعب.
أكد وزير الزراعة بروف عصمت قرشي أمس أن تحقيق الأمن الغذائي واجب وطني وأخلاقي، مشددًا على أهمية ضمان حصول كل أسرة سودانية على الغذاء. كما دعا إلى العمل الجماعي لبناء أنظمة غذائية مستدامة في ظل تحديات الحرب والمناخ، موضحًا أن السودان يمتلك إمكانات زراعية ضخمة تؤهله لأن يكون سلة غذاء للمنطقة، إذا ما توافرت الجهود المحلية والدولية لدعم الإنتاج والمزارعين المتأثرين بالنزاعات.
جاءت هذه التصريحات خلال الاحتفال بـيوم الأغذية العالمي لعام 2025، الذي نظمته وزارة الزراعة والري بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تحت شعار «يدًا بيد من أجل غذاء أفضل ومستقبل أفضل». وهو شعار يحمل دلالات سياسية بامتياز، في وقت يشهد فيه السودان حالة من السيولة وعدم الاستقرار .
إن تأكيد الوزير على إمكانية تحوّل السودان إلى سلة غذاء إقليمية، شريطة تضافر الجهود المحلية والدولية، يُعد إقرارًا ضمنيًا بأن التحديات التي تواجه البلاد لا يمكن تجاوزها بالحلول الإدارية وحدها، بل تتطلب معالجة جذرية للبيئة السياسية والأمنية والتشريعية .
وفي المقابل، أعادت منظمة الفاو عبر ممثلها في السودان “هونغجي يانغ” التأكيد على أن الأمن الغذائي لا ينفصل عن مسارات بناء السلام والكرامة، ما يضع الملف الغذائي في قلب معادلة الاستقرار السياسي. فالمعركة ضد الجوع، في ظل النزاع المسلح وتراجع الإنتاج، هي معركة ضد احتمالية تفكك الدولة وضد تحديات الانهيار في العقد الاجتماعي.
وتتعمق أهمية هذا الطرح بالنظر إلى أن السودان يمتلك أكثر من 174 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، منها 106 ملايين فدان غير مستغلة، فضلًا عن موارد مائية هائلة لا تُوظَّف بالقدر الكافي. هذه الأرقام تكشف تناقضًا صارخًا بين الوفرة الطبيعية والعجز الإنتاجي، وتعكس خللًا بنيويًا في السياسات الزراعية والمائية وغياب رؤية استراتيجية تُدرِك أن الزراعة ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل أداة للسيادة الوطنية.
وفي هذا السياق، لا يمكن فصل التحدي الزراعي عن التغيرات الإقليمية التي طرأت على ملف المياه في شرق أفريقيا، لا سيما بعد إنشاء سد النهضة الإثيوبي، الذي أعاد رسم موازين القوى المائية في حوض النيل.
لقد بات واضحًا أن الأمن الغذائي في السودان يتقاطع مباشرة مع الأمن المائي، ومن ثمّ، فإن وضع الخطط والدراسات والسياسات المائية المتكاملة أصبح ضرورة ملحّة، لتحقيق الفوائد المشتركة من سد النهضة، خاصة في ضوء اتفاق تبادل المعلومات الفنية بين السودان وإثيوبيا الموقع في أكتوبر 2022، والذي نصّ على إنشاء آليات للمراقبة وتبادل المعلومات.
إن إعادة هيكلة منظومة الموارد المائية والتخطيط الزراعي وتحديث تقنيات الري وتفعيل الاستثمارات في البنية التحتية الزراعية والمائية، أصبح ضرورة وجودية في مرحلة التعافي وإعادة البناء.
ومن هذا المنطلق، تكتسب المنتديات العلمية المتخصصة والندوات الوطنية والإقليمية أهمية بالغة، كمنصات للتفكير الاستراتيجي، لتُعيد صياغة أولويات الدولة الزراعية والمائية في ظل المتغيرات الإقليمية.
إن إشراك الباحثين والخبراء ومراكز الدراسات في تخطيط سياسات ما بعد الحرب، يمثل ركيزة لبناء الدولة الحديثة، وتعزيزا لاتخاذ القرار، كما أن هذه المنتديات تؤدي دورًا تنسيقيًا بين المركز والولايات، وبين القطاعين العام والخاص، وتربط الجهود الوطنية بمؤسسات التمويل الدولية والإقليمية التي تشترط وجود خطط مدروسة ومتكاملة.
وفي هذا الإطار، يتقاطع الحراك الوطني مع الحراك الإقليمي، كما يتجلى في الاجتماع الوزاري العربي الثالث لوزراء الزراعة والمياه الذي انعقد في القاهرة الأسبوع الماضي، والذي هدف إلى تعزيز التكامل بين السياسات الزراعية والمائية في المنطقة انسجامًا مع أهداف التنمية المستدامة 2030، واتفاق باريس للمناخ، للحد من مخاطر الكوارث.
يمثل السودان في هذا السياق نموذجًا خاصًا، من حيث التحديات و الفرص الكامنة، إذا ما توفرت له بيئة سياسية مستقرة تُمكّنه من الدخول في شراكات استراتيجية منتجة، قائمة على المصالح المتبادلة.
لقد ألقى الاجتماع الضوء على الحاجة إلى تعزيز التنسيق المؤسسي بين قطاعي الزراعة والمياه، ليس فقط لتحسين الأداء الخدمي، بل لإرساء قواعد الحوكمة الرشيدة والتكامل الإقليمي في إدارة الموارد.
وقد مثّل السودان، عبر القضايا التي طُرحت، حالة نموذجية لإعادة بناء هذين القطاعين في دول ما بعد النزاع، بما يضمن تحقيق الأمن الغذائي كرافعة للاستقرار.
إن الوفرة الزراعية والمائية في السودان لا تزال حتى اللحظة ثروة معطلة بفعل انهيار البنى التحتية بسبب الحرب، لكنها أيضًا نافذة للخلاص إذا ما أُعيد ترتيب الأولويات الوطنية. فالزراعة في السودان، تعبر عن قدرة الدولة، وأداة للمقاومة الاقتصادية في وجه الجوع والفقر والتبعية. إن الغذاء أصبح مرآة للسيادة، وجبهة جديدة في معركة الاستقلال الوطني.
وعليه، بحسب #وجه_الحقيقة، فإن مستقبل الأمن الغذائي في السودان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستقرار السياسي، وإعادة بناء المؤسسات، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية، في إطار سياسات متكاملة تُدرك أن الأرض والماء لا يساويان شيئًا دون الحوكمة والتخطيط والإرادة الوطنية.
دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 21 أكتوبر 2025م Shglawi55@gmail.com
وهج الكلم د.حسن التجاني الي فاشر السلطان تقودني روحي ثم احساسي..الحلقة (9)..!!
لن تنهزم فاشر السلطان باذن الله … يكفيها صمودها حتي اللحظة رغم صعوبة الحياة التي قاد…