‫الرئيسية‬ مقالات للحقيقة لسان   رحمة عبدالمنعم  الملحقيات الإعلامية..(خطوة عديلة)
مقالات - ‫‫‫‏‫14 ساعة مضت‬

للحقيقة لسان   رحمة عبدالمنعم  الملحقيات الإعلامية..(خطوة عديلة)

للحقيقة لسان     رحمة عبدالمنعم      الملحقيات الإعلامية..(خطوة عديلة)

تتحدث تقارير صحفية عن اقتراب الإعلان الرسمي عن الملحقيات الإعلامية للسفارات السودانية في الخارج، وهي خطوة طال انتظارها، وتبدو اليوم أكثر من ضرورية في ظل التحولات التي يشهدها المشهد السوداني، إنها ليست مجرد وظائف دبلوماسية جديدة، بل رسالة وعي من الدولة بأهمية الإعلام كأداة تأثير وقوة ناعمة، واعتراف مستحق بدور الصحفيين الذين قدّموا دعمهم للوطن وجيشه في معركة الكرامة ضد مليشيا الدعم السريع، ووقفوا بالكلمة والموقف إلى جانب مؤسسات الدولة وسيادتها.

 

في كل دولة تبحث عن مكانها بين الأمم، كان للإعلام دور في رسم صورتها قبل أن يفعل ذلك الدبلوماسيون، الكلمة تسبق الموقف، والصورة تسبق البيان، ومن هنا تأتي أهمية هذه الخطوة التي يمكن أن تُعيد التوازن بين الداخل والخارج، بين صوت الوطن وصورته، بين ما يُقال عنه وما يقوله هو عن نفسه.

 

الملحق الإعلامي ليس ناقل أخبار، بل جسر معرفة وتواصل، وسفير غير رسمي للثقافة الوطنية، إنه الذي يشرح للعالم ما يحدث في بلده دون انفعال، ويُقدّم سردية وطنه بلغةٍ تُقنع ولا تُجادل، وتُقرب ولا تُقصي، وهذه وظيفة تحتاج إلى من تمرّس في المهنة، وعرف كيف تُبنى الجسور بالكلمة الصادقة، لا بالشعارات العابرة.

 

لقد آن الأوان أن تُنصف الدولة أبناءها من الإعلاميين، وأن تُعيد إليهم بعض ما قدّموه من عطاء في ميادين الشرف والمهنة، فالملحقيات الإعلامية ليست باباً للترف أو المجاملة، بل ساحة للعمل الجاد لمن أثبت كفاءته في ساحات العمل الإعلامي، ولعل في هذا القرار — حين يرى النور — رد اعتبارٍ للصحافة السودانية التي ظلت لعقود تتحدث باسم الناس، وتدافع عن قضاياهم في أحلك الظروف، دون أن تنال ما تستحقه من تقدير رسمي.

 

وليس خافياً أن نظام الإنقاذ السابق كان يدرك أهمية هذه الملحقيات، فخصّص لها اهتماماً واضحاً وعيّن عدداً من الإعلاميين في محطات خارجية، واليوم، فإن إعادة إحياء هذا الدور تأتي في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى صوتٍ إعلاميٍ قويٍ ومؤثر يعكس صورتها الجديدة ويشرح موقفها للعالم.

 

قد يختلف البعض حول معايير الاختيار، وهذا أمر طبيعي، غير أن الجدل حول المؤهلات العلمية لا ينبغي أن يكون ذا أهمية حاسمة إذا كان الاسم المطروح يمتلك الخبرة والتأثير والفهم، الملحق الإعلامي لا يُمتحن في قواعد اللغة بقدر ما يُقاس بقدرته على بناء العلاقات وصياغة المواقف بحكمة ولباقة، فالدول العربية التي ستُفتح فيها هذه المكاتب لا تحتاج إلى مترجمين بقدر ما تحتاج إلى وجوهٍ تعبّر عن السودان بصدق، وتنقل صوته كما هو، دون تصنّع أو تكلّف،على عكس الملحقيات الإعلامية للسودان في الدول الغربية التي تتطلب من شاغليها إتقان اللغات الأجنبية بحكم طبيعة التخاطب اليومي وتنوع وسائل الإعلام الدولية، وهو ما يجعل لكل بيئةٍ شروطها الخاصة ومتطلباتها المهنية.

 

وفي خضم الحديث عن هذه الخطوة، يجدر التذكير بأن الإعلام السوداني قد أنجب أسماءً كان لها حضور مشرق، وما زال يضمّ كفاءات قادرة على أداء هذا الدور بامتياز،من حقّ هؤلاء أن يجدوا مكانهم في خارطة الدبلوماسية الإعلامية الجديدة، إنصافًا لجهودهم ووفاءً لمسيرةٍ طويلة من التعب والمهنية.

 

إن التسريع في إعلان هذه الملحقيات ليس مطلباً فئوياً، بل ضرورة وطنية، فالعالم لا ينتظر أحداً، وصورة السودان في الخارج تحتاج إلى من يصوغها بعناية، لا إلى من يتركها لتأويل الآخرين القرار حين يُتخذ، سيكون بمثابة إعادة ترتيب لأولويات الوعي الرسمي، بحيث يُدرِك أن الصحفي لا يقل عن الدبلوماسي، وأن الكلمة الصادقة — في زمن التشويه — أقوى من أي بيان سياسي.

 

لقد تأخّرت هذه الخطوة بما يكفي، وربما آن لها أن تكتب في سجلّ التنفيذ لا في خانة الانتظار، فالسودان الذي يخوض حرباً منذ اكثر من عامين ونصف، بحاجة إلى أن يُعرّف بنفسه من جديد، وأن يقول للعالم: نحن هنا، كما كنا دائماً، نحمل الحلم والأمل، ونكتب سيرتنا بأنفسنا، وما الملحقيات الإعلامية إلا إحدى الوسائل التي تمكّنه من أن يتحدث إلى العالم بصوتٍ واحد، صادقٍ وواثق.

 

وفي النهايةيبقى الإعلام هو المرآة التي يرى بها الوطن نفسه في عيون الآخرين،قد تُبنى الجسور بالخرسانة والفولاذ، لكن الجسور الحقيقية تُبنى بالكلمة، وما من دولةٍ ارتفعت صورتها إلا لأن وراءها قلماً صادقاً عرف كيف يُجمّل الحقيقة دون أن يُزوّقها، ويُدافع عن الوطن دون أن يصرخ،فلتكن هذه الملحقيات الإعلامية بداية جديدة لصوتٍ سودانيٍ يخرج إلى العالم، صوتٍ لا يطلب تصفيقاً، بل يُقدّم الحقيقة كما هي: ناصعةً، نبيلةً، وواثقة.

‫شاهد أيضًا‬

المؤسسة الصحية العالمية تختتم المرحلة الأولى من من مشروع إصحاح البيئة  

اختتمت المؤسسة الصحية العالمية المرحلة الأولى من المشروع الموسع لإصحاح البيئة بولاية الخرط…