‫الرئيسية‬ مقالات شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية: حصن الوعي في زمن السيولة الرقمية
مقالات - ‫‫‫‏‫13 ساعة مضت‬

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية: حصن الوعي في زمن السيولة الرقمية

شئ للوطن     م.صلاح غريبة – مصر  الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية: حصن الوعي في زمن السيولة الرقمية

 

Ghariba2013@gmail.com

يأتي الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية (MIL Week)، الذي تحتفل به الأمم المتحدة واليونسكو سنويًا في الفترة من 24 إلى 31 أكتوبر، ليذكّرنا بأهمية بناء مجتمعات قادرة على التفاعل بوعي ومسؤولية مع المحتوى الإعلامي والمعلوماتي الهائل المتدفق. الدراية الإعلامية والمعلوماتية ليست مجرد مهارة تقنية، بل هي ضرورة وجودية في عصر الثورة الرقمية، حيث تتشابك المعلومات الصحيحة مع المضللة (التضليل والأخبار الزائفة) وخطابات الكراهية، وتتضاءل الثقة في المؤسسات الإعلامية التقليدية.

إن جوهر الدراية الإعلامية والمعلوماتية يكمن في القدرة على الوصول، والتقييم النقدي، والاستخدام المسؤول للمعلومات في جميع أشكالها، سواء كانت تقليدية أو رقمية. في ظل التقنيات الناشئة كالذكاء الاصطناعي التوليدي، تتضاعف تحديات إنتاج ونشر المعلومات، مما يجعل هذا الأسبوع لحظة محورية لتسليط الضوء على الأدوات اللازمة لتشكيل مساحات رقمية أكثر شمولاً ومرونة تخدم المصلحة العامة. الدراية الإعلامية هي خط الدفاع الأول ضد التلاعب، وهي أساس للمواطنة الفاعلة واتخاذ القرارات المستنيرة.

تتجلى أهمية الدراية الإعلامية والمعلوماتية بأقصى صورها في سياقات الأزمات والنزاعات المسلحة، كالحرب الدائرة في السودان. يواجه الإعلام السوداني والإعلاميون تحديات هائلة أدت إلى “إظلام إعلامي” جزئي وانتشار كبير للمعلومات المضللة، مما يجعل من الدراية الإعلامية قضية حياة أو موت بالنسبة للمواطن العادي والمهني على حد سواء.

عانى الصحفيون السودانيون من انتهاكات واسعة شملت الاختطاف، والاحتجاز القسري، وتهديدات متكررة. كما أن عدم استقرار وانقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت في مناطق النزاع يعرقل بشدة عمل الصحفيين في الداخل ويمنعهم من الحصول على الحقائق والوصول إلى المصادر، مما يفتح الباب واسعاً أمام الشائعات.

تميزت تغطية الحرب بظاهرة “الحرب المعنوية” أو “حرب الروايات”، حيث يسعى البعض للسيطرة والتحكم في المعلومات المنشورة محلياً ودولياً. أدى هذا إلى ضخ كميات كبيرة من المعلومات المضللة (Disinformation) والمحتوى الملفق عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتي تُدار أحياناً من خارج البلاد. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة رئيسية لـ”الصحافة المواطنية” (Citizen Journalism)، والتي رغم أهميتها في سد الفجوة، إلا أنها تفتقر في كثير من الأحيان لمعايير التحقق المهني، مما يعزز الفوضى الإعلامية، وانتقل جزء كبير من الإعلاميين والمنصات الرقمية السودانية للعمل من المناطق الامنة والولايات، ومن خارج البلاد. ورغم أن هذا يمثل محاولة للحفاظ على صوت الإعلام، إلا أن إعلام المهجر يواجه تحديات مالية ولوجستية وصدمات نفسية، بالإضافة إلى صعوبة التواصل المباشر مع المصادر والأحداث على الأرض.

في مرحلة ما بعد الحرب، سيتطلب إعادة بناء المشهد الإعلامي السوداني جهوداً كبيرة ترتكز على الدراية الإعلامية لتشريع الإعلام الرقمي بضرورة إقرار قانون ينظم صدور وممارسة الصحافة الرقمية لضمان مهنية المحتوى ومساءلة المنصات الإلكترونية، مع الحاجة لتدريب مكثف للصحفيين العائدين والمقيمين على السلامة الرقمية، التحقق من المعلومات (Fact-Checking)، وإعلام السلام، لمواجهة تركة التضليل، بجانب العمل على استعادة مصداقية وسائل الإعلام الرسمية والخاصة المنهكة، وتعزيز دور الإعلام كشريك في عملية السلام والمصالحة الوطنية، بدلاً من كونه أداة استقطاب أو دعاية.

إن ما يحدث في السودان لا يقتصر على حدوده، وتغطية الشأن السوداني إقليمياً وعالمياً تؤثر بشكل مباشر على مسار الأزمة ومستقبل البلاد، والدراية الإعلامية هي عامل حاسم في توجيه هذا التأثير، تأثير التغطية الإقليمية، حيث واجه الإعلام السوداني الموجه للخارج صعوبة في تقديم رواية موحدة ومهنية باللغات الأجنبية. هذا الفراغ سمح للخصوم بملئه بروايات مناوئة، مما أثر على قرارات الدول والمنظمات الدولية.

غالباً ما تلجأ وسائل الإعلام الإقليمية والغربية إلى اختزال تعقيدات الصراع السوداني في روايات مبسطة (Narratives)، مما يهمل تهميش الأصوات السودانية المحلية التي نادراً ما يتم الاعتماد عليها، وبالتالي يتم حرمان الجمهور العالمي من رؤية أكثر دقة ومتوازنة للواقع الإنساني والسياسي، وبالتالي تنتشر تقارير تفيد بأن بعض الإعلام الداعم لأحد أطراف النزاع يُدار من خارج السودان، مما يثير تساؤلات حول التمويل والأجندة، ويقلل من مصداقية التغطية.

دور الدراية الإعلامية في التوعية والتأثير، فلصالح السودان تمكّن الجمهور الدولي من تحليل التغطيات الإعلامية بشكل نقدي، وتمييز التقارير المتحيزة أو المختزلة، وتدفعهم للبحث عن المصادر الموثوقة والصوت المحلي السوداني، ومكافحة “التعب” فمع استمرار الحرب، يحدث ما يُعرف بـ “إجهاد التعاطف” أو “تعب الأخبار” (News Fatigue)، حيث يقل اهتمام الجمهور العالمي بالأزمة. الدراية الإعلامية تشجع على الاستدامة في الاهتمام والتفاعل المسؤول مع التقارير الإنسانية، وتحويل الانتباه إلى الدعوة للسلام.

لصالح الإعلاميين السودانيين يكون دور الدراية الإعلامية في بناء الجسور، حيث تساعد الدراية الإعلامية المهنيين السودانيين على اكتساب مهارات مخاطبة الرأي العام العالمي بوسائل احترافية ولغات متعددة، لتقديم صورة إيجابية للدولة وإبراز عدالة قضيتها، كما تتيح لهم الدراية الإعلامية بناء شبكات تحالف مع منظمات التحقق من الحقائق الإقليمية والعالمية، لتعزيز الشفافية ومواجهة التضليل على نطاق أوسع.

في الختام، يمثل الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية فرصة ذهبية ليس فقط للاحتفال بمفهوم نظري، بل لترجمته إلى أدوات عملية لحماية المجتمعات، خاصة في الأزمات كالتي يمر بها السودان. إن تمكين المواطن، والإعلامي، وصانع القرار بالقدرة على التمييز بين الحقيقة والتضليل، هو المفتاح الوحيد لضمان نظام معلوماتي يخدم فعلاً المصلحة العامة ويعزز السلام والتعافي.

‫شاهد أيضًا‬

المؤسسة الصحية العالمية تختتم المرحلة الأولى من من مشروع إصحاح البيئة  

اختتمت المؤسسة الصحية العالمية المرحلة الأولى من المشروع الموسع لإصحاح البيئة بولاية الخرط…