الاقتصاد السوداني.. Fast Track – دعوه يمر بقلم السفير / رشاد فراج الطيب

منذ فجر الاستقلال، لم يعرف السودان طريقًا مستقراً نحو بناء اقتصادٍ قوي يوازي ما يختزنه من ثروات عظيمة. فهذه الأرض المترامية الأطراف، الغنية بالمياه والأراضي الخصبة، والمليئة بالذهب والنفط والمعادن، لم تستطع أن تتحول إلى قوة إنتاجية فاعلة رغم ما تمتلكه من مقومات طبيعية وبشرية استثنائية. وقد تراكمت عبر العقود أزمات سياسية واقتصادية متشابكة، من حروبٍ ونزاعاتٍ داخلية إلى عقوباتٍ وعقبات خارجيةٍ وبيروقراطيةٍ خانقةٍ وفسادٍ أنهك الإدارة العامة، فتعطل النمو وتذبذبت المؤشرات وانهارت قيمة العملة الوطنية وظهر اقتصاد موازٍ في الظل ينافس الاقتصاد الرسمي للدولة ويعطل حركته ونموه .
ومع ذلك، فإن الأمل موجود، لأن السودان لم يفقد ثرواته ولا طاقات إنسانه.
واليوم، نحن بحاجة إلى نقلة فكرية شاملة في طريقة إدارة الاقتصاد، إذ لا يمكن أن يُدار السودان بعقلية الندرة والخوف، بل بعقلية الوفرة والقدرة والإيمان بالإنسان المنتج. فالبلاد تملك من الموارد والفرص ما يجعلها في مصاف الدول الصاعدة إذا توفرت الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية والإدارة الرشيدة.
إن أحد المفاتيح الكبرى لهذه النقلة هو تبني نظام الفاست تراك، أي “المسار السريع” في إدارة الاقتصاد. فالتجارب الدولية الناجحة أثبتت أن التنمية لا تتحقق بالبطء والتردد، بل بالقدرة على اتخاذ القرار وتنفيذه بسرعة وكفاءة. و-الفاست تراك-هو آلية عملية لتسريع انجاز المشروعات الكبرى والإصلاحات الهيكلية عبر تجاوز التعقيدات البيروقراطية، وتفويض الصلاحيات إلى مؤسسات تنفيذية مرنة قادرة على الإنجاز في الوقت المناسب.
يحتاج السودان اليوم إلى تطبيق هذا النهج في مجالات متعددة:
* في إعادة الإعمار، حيث يمكن لوحدة مركزية متخصصة أن تُدير المشروعات بقرارات فورية تحت رقابة شفافة.
* وفي الاستثمار، عبر إنشاء نافذة موحدة تختصر الإجراءات وتوفر الضمانات للمستثمرين المحليين والعرب وغيرهم.
* وفي الزراعة، بإنشاء مناطق إنتاج تعمل بمفهوم الفاست تراك الذي يربط التمويل بالإنتاج والتصدير .
* وفي الصناعة، بإعادة تشغيل المصانع المتوقفة ومنحها إعفاءات مرحلية حتى تستعيد قدرتها التنافسية.
إنّ فلسفة – الفاست تراك – لا تنفصل عن شعارٍ اقتصادي خالد صاغته الثورة الفرنسية في أوج تحولها وهو “دعه يعمل، دعه يمر”. فهذا الشعار ليس مجرد عبارة تاريخية، بل رؤية اقتصادية متجددة تقوم على تمكين الإنسان من العمل بحرية ومسؤولية، وعلى فتح الطرق أمام رأس المال والإنتاج والفكر ليعمل دون وصاية أو عرقلة. فحين يُترك السوق يعمل في إطار من الشفافية والعدالة، ويتحرر الاقتصاد من قبضة البيروقراطية والاحتكار والقيود، تتحرك عجلة التنمية تلقائيا وتزدهر المبادرة الفردية والجماعية وريادة الأعمال.
الاقتصاد السوداني اليوم بحاجة إلى تحريرٍ ممنهج من القيود، وإلى دولةٍ وإدارة تُحفّز ولا تُكبل، تشجع العمل والإنتاج بدلاً من أن تُثقل كاهله بالجبايات والتعقيدات. كما يحتاج إلى تمكين القطاع الخاص ليقود قاطرة التنمية من خلال شراكات ناضجة ونافعة مع القطاع العام، تقوم على الثقة والتكامل والمنفعة المشتركة والشراكة الذكية لا التنافس والوصاية.
وفي عالم تتسارع فيه التحولات ، لا يمكن للسودان أن ينهض بمعزل عن التقانة والتكنولوجيا الحديثة. فالتنمية والاقتصاد الحديث يقومان على المعرفة أكثر مما يقومان على الموارد الخام ، وعلى نقل التكنولوجيا وبناء القدرات المحلية والانفتاح على الشراكات النافعة مع الاقتصادات الصديقة في الاقليم والعالم .
فالسودان كبلد غني بموارده ، وبما يملكه من موقع استراتيجي وثروات واعدة علي ظاهر الارض وفي باطنها ، ليس طالب عونٍ او منحة ، بل شريك قادر على أن يقدم بقدر ما يأخذ ويستفيد .
لقد كشفت الحرب الأخيرة عن صلابة الإنسان السوداني ، وعن رغبته القوية في الحياة والإنتاج وإعادة البناء. وهذه الروح هي رأس المال الحقيقي الذي يمكن أن يستند عليه مشروع الفاست تراك الاقتصادي والنهضة التنموية ، القائم على تسريع عجلة الإنتاج وتجاوز الروتين لصالح الكفاءة . وإذا ما ترافقت السرعة مع الشفافية والمساءلة ، فسيكون الفاست تراك هو المعبر الآمن نحو التعافي والنهوض السريع ، وشعار “دعه يعمل ، دعه يمر” هو البوصلة التي توجه هذا التعافي نحو الحرية المسؤولة والإنتاج الوفير .
إنّ السودان اليوم أمام فرصة تاريخية لينهض من رماد الحرب إلى فضاء التنمية ، شرط أن يتحرر القرار الاقتصادي من الخوف والتردد ، وأن يُترك العمل لأهله والفكر لمبدعيه ، وأن تتولى الدولة دور المنظم والمحفز لا المتحكم والمثبط . عندها فقط، يمكن أن نقول بثقة ان السودان قد بدأ مساره الصحيح نحو مستقبلٍ يصنعه العمل لا الانتظار ، والإنتاج لا الكلام والخطابات.
دعوه يعمل.. دعوه يمر.. دعوه يكسب مافاته من وقت دعوه يفشل مؤامرات التعطيل والتحجيم ، فالسودان لا يُبنى إلا بسواعد أبنائه ولاينهض إلا بإرادتهم الحرة وعقولهم المبدعة.
بالواضح فتح الرحمن النحاس البرهان في كل مكان..قائد كامل الدسم وليس صناعة…ورسائل في بريد المليشيا وأذنابها..ومواقف مشرفة لاتقبل الهزيمة..!!
كلما تحررت منطقة وكلما تحرك متحرك وكلما (استهدفت) المليشيا موقعاً، يجد الشعب القائد البرها…