شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر السودان.. بوابة العبور إلى الاقتصاد الرقمي

Ghariba2013@gmail.com
تخطو الحكومة السودانية خطوات استراتيجية ومفصلية نحو دمج التكنولوجيا في صميم بنيتها المالية والإدارية، مؤكدة بذلك وعيها بأهمية التحول الرقمي كقاطرة للاستقرار الاقتصادي والشفافية المؤسسية. ويُعد الاجتماع الأخير بين وزير التحول الرقمي والاتصالات ومحافظ بنك السودان المركزي، الذي تناول ملفات استراتيجية أبرزها إطلاق “الجنيه الرقمي” و”منصة دفع رقمية”، دليلاً واضحاً على هذا التوجه الطموح.
يكمن المفتاح الأساسي لهذه المبادرات في مفهوم “التكامل”. الاتفاق على ربط المنصة الوطنية “بلدنا” بأنظمة البنك المركزي ليس مجرد إجراء تقني، بل هو إقرار بضرورة إنهاء حالة الجزر المنفصلة بين المؤسسات التنفيذية والمالية. هذا الربط سيؤسس لـ “بوابة موحدة وآمنة” لتبادل المعلومات وإنجاز الخدمات، ما يقلل من البيروقراطية ويسرّع وتيرة العمل الحكومي. التحول المؤسسي الشامل الذي تحدث عنه وزير الاتصالات يقوم على مبادئ الكفاءة والحوكمة والتكامل، وهي ثلاثة أركان ضرورية لأي عملية إصلاح اقتصادي ناجحة.
لعل الملف الأبرز والأكثر دلالة على النظرة المستقبلية للحكومة هو استعراض التوجهات نحو إطلاق “الجنيه الرقمي”. في ظل التطور العالمي السريع نحو العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، يمثل هذا التوجه محاولة استباقية من السودان لدمج نفسه في المشهد المالي العالمي الجديد.
إن الجنيه الرقمي، في حال تنفيذه، يحمل إمكانات هائلة ومنها تعزيز الشمول المالي، حيث سيتيح الوصول إلى الخدمات المالية لشريحة أوسع من المواطنين ممن لا يملكون حسابات بنكية تقليدية، بجانب مكافحة غسيل الأموال والفساد، فالعملة الرقمية المركزية تتيح درجة أعلى من التتبع والشفافية للمعاملات، وبالتالي تحسين السياسة النقدية: يمنح البنك المركزي أدوات أكثر فعالية في إدارة السيولة والتحكم في التضخم، ومع ذلك، يجب أن يتم التعامل مع هذا المشروع بحذر شديد، مع وضع إطار تنظيمي قوي يضمن الاستقرار والثقة في العملة الجديدة.
لا يمكن لعملية تحول رقمي واسعة النطاق أن تنجح دون أساس متين من الأمن السيبراني. وإدراج “تطوير إطار وطني للأمن السيبراني في القطاع المصرفي” كأحد أهداف المبادرة يعكس إدراكاً لأهمية حماية البيانات والمنظومة المالية من التهديدات المتزايدة في الفضاء السيبراني. الأمن السيبراني ليس مجرد إجراء احترازي، بل هو عامل ثقة ضروري لضمان استقرار القطاع المصرفي وتشجيع المواطنين على استخدام “منصة الدفع الرقمية” و”التطبيق الحكومي الموحد”.
الهدف النهائي لهذه الحزمة من المبادرات هو خدمة المواطن ودعم الاقتصاد. فـ “التطبيق الحكومي الموحد” و”منصة الدفع الرقمية” يهدفان إلى تحسين تجربة المواطنين وتبسيط تعاملاتهم الحكومية والمالية. ومن خلال توفير خدمات مالية “أكثر سلاسة”، يتم تقليل الاعتماد على النقد، مما يقلل تكلفة طباعة العملة وإدارتها، ويسرّع حركة رأس المال.
في الخلاصة، لا تمثل هذه الخطوات مجرد تحديثات تقنية، بل هي خطة استراتيجية لـ “تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السوداني في عصر الرقمية”. نجاح هذه المبادرات سيعتمد بشكل كبير على التنسيق الفعال بين المؤسسات، وتوفير البنية التحتية اللازمة، والأهم، بناء ثقة المواطن في هذه المنظومة الجديدة الآمنة والمتكاملة. السودان، من خلال الجنيه الرقمي والمنصات الموحدة، يسعى لفتح بوابة عبوره الخاصة إلى المستقبل الاقتصادي الرقمي.
إتجاه البوصلة. بقلم/ الجزولي هاشم. الإصلاح الحزيبي بعدالحرب… (3)
*”نحو كتلة وطنية راشدة… الأحزاب بين الفرز الأيديولوجي وتجديد الممارسة الديمقرا…





