حديث الساعة إلهام سالم منصور لا للتكتلات… الصحافة وطنية سودانية حرة

تُعد الصحافة بحق “السلطة الرابعة”، لما تمثله من قوة ناعمة تسهم في توجيه الرأي العام وبناء الدولة، فهي ليست مجرد مهنة تبحث عن الخبر، بل رسالة ومسؤولية وضمير حيّ يراقب وينتقد ويُصحّح ويُوجّه. فمن خلال الكلمة، تُبنى الأوطان أو تُهدم، وتُصنع القناعات أو تُضلَّل الشعوب.
لقد لعبت الصحافة السودانية، منذ نشأتها الأولى، دورًا وطنيًا كبيرًا في مسيرة النضال ضد الاستعمار، وفي دعم قضايا الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية. كانت الصحف منابر تنوير ووعي، وقلم الصحفي فيها بمثابة بندقية في معركة الوعي ضد الجهل والتبعية.
واليوم، في ظل ما تمر به البلاد من حرب ودمار ومحاولات تفكيك وتمزيق للنسيج الاجتماعي، تزداد أهمية الصحافة الوطنية كدرع من دروع الوطن، وكجبهة صامدة في معركة الكلمة. إن دور الصحافة لا يقل شأنًا عن دور الجندي في ميدان القتال، فالكلمة الصادقة يمكن أن ترفع المعنويات، وتبث الأمل، وتدحض الأكاذيب التي تبثها منصات التضليل المعادية للسودان.
لكن للأسف، في الآونة الأخيرة، بدأت ملامح التصدع تظهر داخل الجسد الصحفي، حيث تفككت وحدة الكلمة، وتحولت الساحة الإعلامية إلى تكتلات وشلليات وأجندات خاصة تشبه الأحزاب السياسية. صارت بعض الأقلام تُدار لمصلحة فئة أو جهة معينة، بدل أن تكتب من أجل الوطن وحده. وهذه التكتلات تمثل خطرًا على المهنة وعلى الوطن معًا، لأنها تُفقد الصحافة دورها المحايد، وتحوّلها إلى أداة صراع لا وسيلة توعية.
ومن المؤسف أن هذه الظاهرة تجاوزت حدود الداخل، لتصل إلى الصحفيين السودانيين في الخارج، الذين يُفترض أن يكونوا سفراء للكلمة الوطنية، يعبّرون عن هموم الوطن بصوت واحد، ويقفون صفًا واحدًا أمام الحملات الإعلامية التي تستهدف السودان وتشوه صورته.
كان الأجدر أن يكون هناك تنسيق مؤسسي عبر المستشارية الثقافية في السفارات السودانية بكل دولة، بحيث يكون لكل صحفي سوداني بالخارج سجل رسمي، يُتيح له المشاركة باسم وطنه في التغطيات الرسمية والفعاليات الوطنية.
إن كانت الأحزاب السياسية قد مزّقت وحدة السودان من الداخل، فإن “أحزاب الصحافة” إن تُركت دون رادع، ستمزّق الإعلام الوطني وتُضعف تأثيره وهيبته. ولهذا، فإن وزارة الإعلام تتحمل المسؤولية المباشرة في تنظيم المهنة وتطهيرها من التكتلات التي لا تمت للوطنية بصلة. يجب وضع قانون يُجرّم التحزّب الصحفي، ويؤكد أن الولاء في الصحافة يجب أن يكون للوطن فقط، لا لحزب أو جماعة أو جهة ممولة.
الصحافة الحرة لا تعني الفوضى، بل تعني أن يكون الصحفي حرًّا في التعبير، صادقًا في النشر، مسؤولًا أمام ضميره ومجتمعه، وأن تكون الحقيقة هي رايته الوحيدة. فكلما كانت الصحافة صادقة، كانت الدولة قوية. وكلما كانت الكلمة نزيهة، كانت الأمة منيعة في وجه الأكاذيب.
ولا يمكن الحديث عن إصلاح حال الصحافة دون الالتفات إلى أوضاع الصحفيين أنفسهم. فالكثير من أبناء المهنة يعيشون ظروفًا مادية قاسية، خصوصًا بعد التحول الرقمي الذي أدى إلى إغلاق كثير من الصحف الورقية وتشريد العاملين فيها. ولأن معظمهم لا يملكون مهنة بديلة، يجب على الدولة أن تتدخل لإنشاء صندوق وطني لدعم الصحفيين، يُعنى بشؤونهم المعيشية، ويكفل لهم حقوقهم في التأمين الصحي والاجتماعي، حتى يتمكنوا من أداء رسالتهم بكرامة واستقلالية.
إن بناء صحافة وطنية حرة، قوية وموحدة، يبدأ من الداخل، من قمة المؤسسات الصحفية إلى قاعدتها، ومن إعادة الثقة بين الصحفيين والمؤسسات، وبين الصحافة والمجتمع.
فالصحافة ليست مهنة من لا مهنة له، بل مهنة من يحمل ضمير وطن. وهي ليست ساحة صراع سياسي، بل منبر وعي ومسؤولية أخلاقية.
إن السودان اليوم لا يُحارب بالسلاح وحده، بل تحاربه جيوش من المنصات المضللة، التي تبث السموم الإعلامية والشائعات لتفتيت الثقة بين المواطن ومؤسساته الوطنية، وعلى رأسها القوات المسلحة. وهنا يكون دور الصحافة الحقيقية في كشف هذه الحملات، وتصحيح المفاهيم، والدفاع عن الوطن بالكلمة الصادقة والرأي الواعي.
نعم، للصحافة الحرة الوطنية التي تقول الحقيقة بضمير حيّ.
نعم، للصحافة التي تزرع الوعي وتبني الوطن بالكلمة.
ولا، ألف لا، للتكتلات والشلليات والتحزّب الإعلامي.
فالصحافة خط الدفاع الأول عن السودان قبل السلاح، وهي التي تكتب التاريخ وتُحافظ على وعي الأمة.
الحصة وطن.
إلهام سالم منصور
السبت 25 أكتوبر 2025
مولانا احمد هارون يحتسب الناظر عبدالقادر منعم منصور
احتسب حزب المؤتمر الوطني إلى جماهير الشعب السوداني قاطبة وإلى أبناء قبيلة الحَمَر خ…





![ما وراء البحار بقلم: عباس حمدون “تأثير محتوى نشطاء الميديا على الصعيدين السياسي والاجتماعي [مهنة البوكو حلال]” ما وراء البحار بقلم: عباس حمدون “تأثير محتوى نشطاء الميديا على الصعيدين السياسي والاجتماعي [مهنة البوكو حلال]”](https://5minute-news.com/wp-content/uploads/2025/06/IMG-20250613-WA0033-406x233.jpg)