أجيال النيل د. سهام موسى العنف والتنمر يطرد أطفال السودان إلى شوارع القاهرة

إن ظاهرة العنف ضد الأطفال ليست مجرد “مشكلة اجتماعية”، بل هي “زلزال أخلاقي” يضرب أساس المجتمع، وإعلان قسوة مذلة على كائن أعزل لا يملك إلا البراءة درعاً، والثقة سلاحاً. وعندما يتحول البيت أو المدرسة – وهما معقلا الأمان المفترضان – إلى مكان يمارس فيه الإيذاء تحت سلطة زائفة، يتحول الطفل إلى ظل يخاف النور ويهاب الخطوة.
إن هذا العنف، سواء كان صفعة عابرة تترك ألماً كامناً في الذاكرة، أو كلمة جارحة تعلق الطفل بين قوسين من الشعور بالدونية والخوف من العقاب، ما هو إلا إفلاس تربوي وخيانة للأمانة التي حمَّلها لنا الخالق والضمير الإنساني. إننا ننسى توجيهات النبوة حين وصف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قمة الإحساس والرحمة: “من لا يرحم لا يُرحم”.
تتفاقم هذه المأساة وتأخذ أبعاداً أكثر قتامة وإلحاحاً عندما نتحدث عن شريحة معينة من الأطفال الوافدين الذين اضطرته ظروف الحرب والنزوح إلى البحث عن ملاذ في بلد مضيف، كحالة الأطفال السودانيين المتواجدين مع أسرهم في مصر.
هؤلاء الصغار، الذين يعانون أصلاً من صدمة النزوح والاغتراب وفقدان البيئة المألوفة، يجدون أنفسهم أحياناً ضحايا لشكل مزدوج من العنف والتنمر. فمن ناحية، قد يواجهون عنفاً قاسياً وغير مبرر من قبل أفراد أسرهم، نتيجة للضغوط النفسية والاقتصادية الهائلة التي يعيشها الكبار في بيئة اللجوء الصعبة، حيث يتحول “الغيث الأول الذي يسقي الحنان والأمان” إلى سوط يجلد الروح، وصوت رعد يزلزل الثقة.
ومن ناحية أخرى، لا ينجون من التنمر والإيذاء داخل المجتمع المحيط أو في المؤسسات التعليمية، نتيجة اختلافات ثقافية أو عنصرية، أو حتى مجرد التهميش الناتج عن كونهم “غرباء” أو “ضيوفاً”. فكل نظرة سخرية، وكل إهمال، وكل إشارة استعلاء تجاه طفل لا يجد من يدافع عنه، هي رصاصة في صدر المستقبل.
إن أشد ما يدمي القلب في هذه الحالة هو النتيجة المباشرة لهذا القسوة المزدوجة: هروب بعض هؤلاء الأطفال من منازلهم إلى مساحات القاهرة الواسعة، المزدحمة والخطرة. إن الطفل الذي يجد الشارع، بكل مخاطره ومجهوله، أرحم وأكثر أماناً من دفء البيت المفترض، هو طفل وصل إلى أقصى درجات اليأس.
تحوُّل شوارع القاهرة الصاخبة إلى ملجأ، هو إدانة صريحة لكل من خذل هذا الطفل. هذه الشوارع لا تقدم لهم الأمان، بل تعرضهم لمخاطر لا حصر لها من الاستغلال، والتشرد، والتورط في سلوكيات خطرة، ناهيك عن العنف الذي قد يمارسونه أو يُمارس عليهم، ليصبحوا بذلك مادة خام لجيل قادم مثقل بالجروح النفسية.
أيها الآباء والأمهات، أيها المجتمع المدرسي والمدني، إن الطفولة تتوقف عنها الأحكام الشرعية، وهي النسق الروحي الذي يتشكل في بيئة العطف والأمان. مسؤوليتنا تجاه هؤلاء الأطفال، وخصوصاً أبناء السودان الذين نكاد نكون نحن أهلهم الوحيدين في هذه المحنة، هي مسؤولية مضاعفة.
رسالتنا واضحة: يجب أن تكون المدرسة امتداداً لدفء البيت، لا مسرحاً لتمزيق الكرامة. ويجب على الأسر أن تدرك أن الضغوط لا تُبرر تحويل الأطفال إلى ضحايا، فالحنان النبوي كان يغمر أطفال المدينة، فكيف يغيب عن بيوتنا؟
تعالوا جميعاً لندع الطفولة تزهر في سلام، تتنفس هواء الود، وتستنشق عبير الحياة في أمن وأمان، ولنستجيب لهذا النداء الإلهي: ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة﴾. يجب أن نعيد هؤلاء الأطفال الهاربين من جحيم المنزل إلى حضن الأمان الذي يستحقونه. إن صرخة الصمت في شوارع القاهرة هي إعلان فشل أخلاقي لا يجب أن نرضاه لأنفسنا أو لمجتمعنا.
مولانا احمد هارون يحتسب الناظر عبدالقادر منعم منصور
احتسب حزب المؤتمر الوطني إلى جماهير الشعب السوداني قاطبة وإلى أبناء قبيلة الحَمَر خ…





![ما وراء البحار بقلم: عباس حمدون “تأثير محتوى نشطاء الميديا على الصعيدين السياسي والاجتماعي [مهنة البوكو حلال]” ما وراء البحار بقلم: عباس حمدون “تأثير محتوى نشطاء الميديا على الصعيدين السياسي والاجتماعي [مهنة البوكو حلال]”](https://5minute-news.com/wp-content/uploads/2025/06/IMG-20250613-WA0033-406x233.jpg)