‫الرئيسية‬ مقالات أجيال النيل د. سهام موسى قوة اللون الوردي: جيش الضرورة لمواجهة عنف زمن الحرب
مقالات - ‫‫‫‏‫أسبوعين مضت‬

أجيال النيل د. سهام موسى قوة اللون الوردي: جيش الضرورة لمواجهة عنف زمن الحرب

أجيال النيل  د. سهام موسى     قوة اللون الوردي: جيش الضرورة لمواجهة عنف زمن الحرب

في كل عام، ومع حلول اليوم الدولي لمكافحة العنف ضد المرأة، تتجدد الشعارات وتُطلق البيانات، لكن الواقع على الأرض يظل عاتياً وقاسياً، خاصةً في مناطق الصراع والنزوح. العنف ضد المرأة ليس مجرد إحصائية في سجلات الجرائم، بل هو وباء يتفاقم في الظلام، ويجد ذروته المأساوية في أتون الحروب حيث تتفكك السلطة وتعم الفوضى. ولهذا، لم يعد الحديث عن “المواجهة” مجرد خيار، بل ضرورة ملحّة تقتضي التفكير خارج الصندوق، وتبني مفهوم جديد يجسده “الجيش الوردي” لمقاومة العنف.

 

في قرى بوندلخاند القاسية بشمال الهند، وُلدت فكرة غيرت قواعد اللعبة: عصابة غولابي (Gulabi Gang). هذه الموجة الوردية، التي تقودها نساء يرتدين الساري الوردي الفاقع ويحملن عصي الخيزران، ليست مجرد جماعة ناشطة، بل هي نموذج مصغر لما يجب أن يكون عليه الرد الجماعي المنظم على العنف.

 

في عام 2006، أدركت سامبات بال ديفي حقيقة مريرة: لا يمكن للشرطة الفاسدة أو المجتمع المتواطئ أن يوفر الحماية. فكان قرارها الجريء: خلق قوة مضادة تعتمد على الوضوح والاتحاد. اختارت اللون الوردي ليكون شعاراً للمرئية والجرأة، وحملت عصا الخيزران كرمز للردع والتحذير. لم تعد العصي للاشتباك، بل لتقول للجميع: “نحن هنا، ولن نسكت بعد اليوم.”

 

إن الحاجة إلى “الجيش الوردي” تتضاعف مئات المرات في سياق الأزمات الإنسانية والحروب، في مناطق النزاع واللجوء، تحول النساء إلى أهداف سهلة ومزدوجة يفقدن بيوتهن وأمنها واستقلالها، ويصبحون عرضة للاستغلال الجنسي والاعتداء والعنف الأسري المتصاعد تحت ضغط النزوح والفقر.

 

هنا، لا تكفي ورش التوعية التقليدية، نحن بحاجة إلى آليات حماية ذاتية ومنظمة تقودها النساء أنفسهن. إن نموذج “غولابي” يمنحنا خريطة طريق الردع الفوري بوجود مجموعات نسائية واضحة ومرئية وموحدة في المخيمات ومناطق النزوح، يعمل على ردع المعتدين المحتملين، سواء كانوا من داخل الأسرة أو من المحيط الخارجي، والدعم والتدريب فلا يقتصر دور هذا الجيش على المواجهة، بل يمتد ليشمل تدريب النازحات واللاجئات على آليات الدفاع عن النفس، ومهارات تأمين الدخل (كالخياطة والنسيج والصناعات الخفيفة) لخلق استقلال اقتصادي يكسر حلقة التبعية والاستغلال، وتعمل هذه المجموعات كقوة ضغط مجتمعية تُجبر المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية على اتخاذ إجراءات فورية ضد مرتكبي العنف، بدلاً من إغفال الجرائم تحت ستار “أولوية الحرب”.

 

لقد ارتبط اللون الوردي طويلاً بالنعومة والبراءة، وهي دلالات استُغلت أحياناً لتكريس مفهوم “الضعف” وضرورة “الحماية” الخارجية. أما “الجيش الوردي”، فقد أعاد تعريف هذا اللون ليصبح رمزاً لـ الجرأة والقيادة بدلا عن النعومة والتبعية، والقوة والردع بدلا عن الهشاشة والحماية والمرئية والعدالة بدل الصمت والتجاهل، وإن تحويل “الضعف” إلى قوة جماعية لا تُقهر هو الدرس الأهم. فكل امرأة مهمّشة، عندما تتحد وتتوشح باللون نفسه الذي يمثل الاتحاد، تتحول من فرد معزول إلى جزء من قوة ضاربة لا يمكن تجاهلها.

 

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة، يجب أن نتجاوز مرحلة الإدانة إلى مرحلة التأسيس الفعلي. إن تكوين “جيش وردي نسائي” هو دعوة للعمل على مستويات القاعدة، لتأسيس لجان حماية نسائية في كل موقع نزاع أو قرية مهملة. إنه استثمار في قوة المرأة الذاتية، لإثبات أن الأمان لا يجب أن يكون امتيازاً تمنحه سلطة، بل حقاً تنتزعه جماعة موحدة ومرئية.

 

علينا أن نؤمن بأن الصمت قد كُسر، وأن صوت النساء، عندما يرتفع موحداً في لون واضح كالشمس، سيجعل أقوى الظالمين يفكّرون مرتين قبل أن يرفعوا أيديهم على أي امرأة.

‫شاهد أيضًا‬

محجوب أبوالقاسم يكتب الرسالة وصلت..حين يتكلم الشعب

لم يكن يوم أمس 13 ديسمبر 2025م يوما عابرا في تقويم الأحداث بل كان فاصلا بين مرحلتين وعنوان…