‫الرئيسية‬ مقالات شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر تاريخ عريق ومستقبل يواجه التحديات: رسالة من قلب السودان 
مقالات - أغسطس 15, 2025

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر تاريخ عريق ومستقبل يواجه التحديات: رسالة من قلب السودان 

شئ للوطن  م.صلاح غريبة – مصر  تاريخ عريق ومستقبل يواجه التحديات: رسالة من قلب السودان 

Ghariba2013@gmail.com

يطل علينا قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان، من “أرض الحضارات والتاريخ”، ليوجه رسالة تهنئة للشعب السوداني بمناسبة العيد المئوي للقوات المسلحة والذكرى الواحدة والسبعين لسودنتها. تأتي هذه الرسالة في خضم أزمة عصيبة يمر بها السودان، لتستحضر الماضي العريق وتؤكد على ضرورة الصمود في وجه التحديات الحالية. إنها مناسبة للتأمل في مسيرة هذه الأمة التي عرفت حضارات عظيمة وتاريخًا حافلًا بالنضال، وللتأكيد على أن الهوية السودانية هي نتاج تراكم حضاري طويل، والقوات المسلحة جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ، ومرآة تعكس إرادة الشعب في الحفاظ على كرامته ووحدته.

إن الإشارة إلى أن السودان “أرض الحضارات والتاريخ” ليست مجرد عبارة مجاملة، بل هي حقيقة تاريخية راسخة. فمنذ آلاف السنين، شهدت هذه الأرض قيام ممالك عظيمة مثل مملكة نبتة ومملكة مروي، التي تركت إرثًا حضاريًا ضخمًا من الأهرامات والمعابد والقصور، وشكّلت مراكز تجارية وثقافية مهمة في العالم القديم.

لقد أثرت هذه الحضارات القديمة في محيطها الإقليمي، وامتد نفوذها إلى مصر، مما يدل على قوتها وتأثيرها. ومع مرور الزمن، دخلت المسيحية والإسلام إلى السودان، لتضيفان بعدًا ثقافيًا ودينيًا جديدًا، وتتفاعلان مع الحضارات المحلية لتشكيل النسيج الاجتماعي والثقافي الغني الذي يميز السودان اليوم. لم يكن دخول الإسلام عن طريق الفتح المسلح فقط، بل كان عبر التفاعل السلمي والتجاري والدبلوماسي، كما يتضح من معاهدة “البقط” الشهيرة. هذه المعاهدة، وإن كانت هدنة عسكرية، فإنها فتحت الباب للتبادل الثقافي والتجاري بين الشمال والجنوب، ومهدت الطريق لانتشار الإسلام لاحقًا.

تأسيس السلطنة الزرقاء وسلطنات أخرى مثل سلطنة الفور ومملكة تقلي، يمثل مرحلة مهمة في تاريخ السودان، حيث قامت دول إسلامية محلية على أسس عربية-أفريقية، وساهمت في ترسيخ الهوية السودانية المتفردة. هذا التاريخ الحافل بالدول والممالك يؤكد أن السودان لم يكن أبدًا أرضًا خالية أو هامشية، بل كان دائمًا مركزًا للحضارة والسياسة والتفاعل الثقافي.

كلمة البرهان تذكرنا باللحظات الفاصلة في تاريخ السودان، وتحديدًا تأسيس “قوة دفاع السودان” عام 1925. هذا الاسم بحد ذاته يحمل دلالة عميقة، فهو لم يرتبط بملك أو حاكم، بل باسم الوطن ذاته، مما يؤكد أن هذه المؤسسة وُلدت من رحم الشعب والدفاع عن ترابه.

هذا الربط بين تاريخ القوات المسلحة والنضال الوطني السوداني يتجلى بوضوح في الإشارة إلى ثورة اللواء الأبيض عام 1924، التي كانت شرارة للمقاومة ضد الحكم الثنائي الإنجليزي المصري. هذه الثورة، التي قادها أبطال أمثال علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ، لم تكن مجرد تمرد، بل كانت تعبيرًا عن إرادة شعبية حقيقية في الحصول على الاستقلال والسيادة الوطنية.

القوات المسلحة اليوم، وهي تخوض “معركة الكرامة”، تستلهم من هذا التاريخ الطويل من النضال. إنها ليست مجرد جيش نظامي، بل هي امتداد لروح المقاومة التي سكنت قلوب السودانيين عبر العصور، من الثورة المهدية التي أطاحت بالحكم التركي المصري، إلى ثورات ود حبوبة وعلي دينار. كل هذه الحركات النضالية كانت تعبر عن رفض الشعب السوداني للخضوع والتبعية، ورغبته في بناء دولة مستقلة تحكمها إرادته.

إن ذكرى المئوية للقوات المسلحة تأتي في وقت حرج، حيث يواجه السودان حربًا داخلية تهدد وحدته ونسيجه الاجتماعي. كلمة البرهان، التي تؤكد على “معركة الكرامة” ورفض “المهادنة والمصالحة مهما كانت التكلفة”، تعكس إصرارًا على حماية الدولة السودانية من التفكك والفوضى. إنها دعوة مفتوحة لكل السودانيين للوقوف صفًا واحدًا خلف مؤسستهم العسكرية، لأنها في هذه اللحظة، تمثل خط الدفاع الأخير عن سيادة البلاد ووحدتها.

إن الشعب السوداني، صانع الحضارات ومؤسس القوات المسلحة، هو من يملك زمام الأمر في النهاية. فكما وقف الشعب بجانب محمد أحمد المهدي لاستعادة الكرامة الوطنية، وكما ساند ثورة أكتوبر 1964 ضد الحكم العسكري الأول، وكما خرج في انتفاضة أبريل 1985، فإنه اليوم يواجه تحديًا جديدًا يتطلب منه وحدة الصف وتجاوز الخلافات من أجل إنقاذ الوطن.

في الختام، إن خطاب القائد العام للقوات المسلحة من “أرض الحضارات” ليس مجرد تهنئة، بل هو تذكير بأن السودان أمة ذات تاريخ عظيم، وأن أبناءه قادرون على تجاوز المحن. إنه دعوة لاستعادة الروح الوطنية التي قادتهم في الماضي، والسير قدمًا نحو مستقبل آمن ومستقر، يتم فيه حفظ كرامة الشهداء الذين قدموا أنفسهم دفاعًا عن السودان. إن رسالة العيد المئوي للقوات المسلحة هي رسالة أمل وصمود، تؤكد أن الشعب السوداني بتاريخه العريق هو الضمانة الحقيقية لمستقبل مشرق.

‫شاهد أيضًا‬

حديث الكرامة كالوقي ..بشاعة المجازر تهز صمت المنابر الطيب قسم السيد

يبدو أن السودان قد احكم خطته لتعزيز مساره الدبلوماسي، بنهج فاعل ومؤثر،عبر المنابر الدولية …