‫الرئيسية‬ مقالات أصل القضية  من سلسلة الجسر والمورد  السودان يعود إلى المسرح الدولي محمد أحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء للدراسات
مقالات - ‫‫‫‏‫7 ساعات مضت‬

أصل القضية  من سلسلة الجسر والمورد  السودان يعود إلى المسرح الدولي محمد أحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء للدراسات

إذا لم تكن قريبًا بما فيه الكفاية لا يمكنك رؤية الهدف الحقيقي.

 

هكذا هو المشهد السوداني اليوم: قد تبدو بعض الخطوات متفرقة، وقد يظن البعض أنها ارتجالية، لكن حين تقترب بما يكفي، تدرك أن ثمة هدفًا استراتيجيًا يتشكل: إعادة السودان إلى المسرح الدولي كفاعل لا كملف، وكشريك لا كضحية.

 

أولا: المدخل إلى المشهد

خلال فترة وجيزة خطا السودان خطوتين مفصليتين:

 

١. تعيين رئيس وزراء قبل أي ترتيبات أخرى.

 

٢. إعادة المحكمة الدستورية كإحدى أعمدة الشرعية القانونية.

 

للوهلة الأولى قد يراها البعض مجرد إجراءات إدارية، لكنها في ميزان العلاقات الدولية ليست إلا رسائل سياسية مدروسة.

 

ثانيا: قراءة وفق نظريات العلاقات الدولية

 

١. المدرسة الواقعية: الواقعيون يرون أن الدول تتحرك بدافع البقاء وتعظيم القوة. وهنا يظهر تعيين رئيس الوزراء أولًا باعتباره إعلانًا عن وجود حكومة تنفيذية قادرة على التفاوض والتأثير، أي أن السودان يرسل إشارة: “نحن لسنا ساحة فراغ بل دولة لها من يمسك بمقاليد القرار”.

 

٢. المدرسة الليبرالية: تؤكد على دور المؤسسات والتعاون الدولي. عودة المحكمة الدستورية لاحقًا تمثل استجابة لهذا البعد الليبرالي: تعزيز الشرعية المؤسسية وإرساء حكم القانون، بما يطمئن الشركاء الدوليين أن السودان لا يبني جسرًا هشًّا بل جسرًا مدعومًا بمورد الشرعية.

 

٣. المدرسة البنائية: ترى أن الأفكار والهويات تُشكّل سلوك الدول. وهنا يمكن قراءة الخطوتين كجزء من إعادة بناء هوية السودان الدولية: من دولة مضطربة إلى دولة مسؤولة قادرة على أن تُعرّف نفسها في النظام الدولي كفاعل مستقل.

 

ثالثا: الرسائل المزدوجة

 

■إلى الداخل:

بتعيين رئيس وزراء قبل المحكمة الدستورية، الدولة تقول لشعبها: “الأولوية الآن لإدارة الحياة وتأمين معاش الناس، ثم تأتي الشرعية القانونية لاحقًا.” إنها معركة البقاء قبل أن تكون معركة النصوص.

 

■إلى الخارج:

العالم لا يتعامل مع الخرطوم بالخطابات، بل بمدى فاعليتها التنفيذية. ولذلك أرسلت الدولة إشارة ذكية: “لدينا من يتحدث باسم الحكومة ويفاوض، ولسنا ورقة بلا صاحب.” ثم عززت هذه الرسالة بعودة المحكمة الدستورية، لتقول: “ما نوقعه ونلتزم به هو قرار دولة لا قرار فرد.”

 

رابعا: رؤية “الجسر والمورد”

وفق استراتيجية “الجسر والمورد”، لا تبدو الخطوتان منفصلتين، بل متكاملتين:

 

■رئيس الوزراء = الجسر: هو المعبر السياسي والدبلوماسي الذي تعبر عبره الدولة لتخاطب العالم، وتدخل في شبكات المصالح الدولية.

 

■المحكمة الدستورية = المورد: هي الشرعية الداخلية والخارجية التي تمدّ هذا الجسر بالطاقة وتجعله قابلًا للاستمرار.

 

وبهذا الترتيب، السودان لم يخطئ في “الأسبقية”، بل مارس ذكاءً .

 

■استراتيجيا: أقام الجسر أولًا ليتحرك سريعًا، ثم جاء بالمورد ليضمن أن الحركة فوق الجسر لن تنهار بغياب الشرعية.

 

خامسا: التدليل من الواقع الأمريكي

الولايات المتحدة – دولة المؤسسات – لم تدخل في تفاوض جدي مع فيتنام بعد الحرب إلا حين برزت حكومة تنفيذية واضحة. ولم تُعمّق تعاونها مع العراق بعد ٢٠٠٣م إلا حين اكتمل المشهد المؤسسي ببرلمان ودستور. هذا يوضح أن واشنطن، ومعها الغرب عمومًا، لا يكفيها وجود مؤسسات قانونية وحدها، بل تحتاج دائمًا فاعلًا سياسيًا عمليًا يمثّل الدولة ويترجم الاتفاقيات إلى واقع. السودان بفطنته اختصر الطريق: “ها هو الفاعل التنفيذي (رئيس الوزراء)، وها هي الشرعية المؤسسية (المحكمة الدستورية).”

 

سادسا: توصيات رؤية الجسر والمورد

 

١. تفعيل الدبلوماسية التنفيذية: استثمار منصب رئيس الوزراء ليكون رأس الحربة في بناء علاقات ثنائية مع واشنطن، بروكسل، والاتحاد الإفريقي، دون أن يظهر كواجهة شكلية فقط.

 

٢. ترسيخ المحكمة الدستورية كضامن دولي: إبرازها في الخطاب الدبلوماسي كإشارة أن السودان يفي بالتزاماته عبر مؤسسات، لا عبر أشخاص، بما يفتح الباب أمام الاستثمارات والاتفاقيات طويلة الأمد.

 

٣. بناء هوية السودان الدولية الجديدة: عبر الجمع بين فاعلية القرار (الجسر) وشرعية المؤسسات (المورد)، ليظهر السودان كدولة فاعلة ومستقرة، لا كحالة إنسانية تحتاج وصاية.

 

أصل القضية،،،

إن تعيين رئيس وزراء قبل رئيس المحكمة الدستورية لم يكن عبثًا، بل خطوة استراتيجية تقول للعالم:

“لدينا حكومة تتحرك اليوم، ومؤسسات تحمي الغد.”

أما الجمع بين الخطوتين، فهو إعلان مبكر بأن السودان يعود شيئًا فشيئًا إلى مقعد الفاعلين الدوليين، لا المتفرجين.

‫شاهد أيضًا‬

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر خارطة طريق للإعلام السوداني: ضرورة ملحة لاستعادة الوعي وبناء المستقبل

Ghariba2013@gmail.com تُشكل وسائل الإعلام مرآة الشعوب ولسانها الناطق، فهي القوة الناعمة ال…