للحقيقة لسان رحمة عبد المنعم معتز البرير… منارة في زمن العتمة

من يتأمل مسيرة الدكتور معتز البرير يدرك أنه لا ينتمي إلى جيل رجال الأعمال الذين اكتفوا بالنجاح التجاري، بل إلى فئةٍ نادرة آمنت بأن التنمية تبدأ من الإنسان وتنتهي إليه، رؤيته لم تكن محصورة في أرقامٍ أو مشروعات، بل اتسعت لتشمل التعليم والصحة والثقافة، في محاولةٍ واعية لبناء وطنٍ متكامل ينهض بالعقل كما بالجسد.
حين أسس جامعة العلوم والتقانة عام 1995، لم يكن يضيف لبنةً جديدة في جدار التعليم فحسب، بل كان يخطّ ملامح مشروعٍ وطني يرمي إلى إنتاج المعرفة وإشعال فضول البحث العلمي،بدأت الجامعة بعددٍ لا يتجاوز مائةً وثمانين طالباً، ثم تحوّلت إلى مدينةٍ أكاديمية تضج بالحياة والعطاء، تضم اليوم أكثر من سبعة عشر ألف طالب، تخرّج سنوياً آلاف الكفاءات التي تسهم في تطوير المجتمع السوداني ومؤسساته،وما يثير الإعجاب أن جامعة التقانة واصلت رسالتها رغم الحرب، فانتشرت فروعها في مصر والسعودية وعددٍ من الدول، وعادت إلى مقرها بأم درمان بعد تحرير العاصمة، لتتصدّر هذا العام قائمة القبول في الجامعات الخاصة، حاصدةً أعلى رغبات الطلاب، لم تكن العودة مجرّد حدثٍ إداري، بل عودةً للروح الأكاديمية إلى مكانها الطبيعي.
هذا الإيمان بالإنسان امتد من قاعات الدراسة إلى أروقة العلاج، حين أنشأ البرير مستشفى رويال كير ليكون صرحاً طبياً حديثاً يعيد للسودان مكانته في المجال الصحي،أسهم المستشفى في توطين العلاج داخل البلاد، وفتح آفاقاً جديدة للسياحة العلاجية، حتى غدا من أكبر المستشفيات في إفريقيا والشرق الأوسط،غير أن المستشفى تعرّض خلال الحرب لأعمال تخريبٍ وسرقةٍ وتدميرٍ جزئي على يد ميليشيا الدعم السريع، إلا أن العزيمة لم تنكسر، فالأعمال جارية على قدمٍ وساق لإعادته إلى الخدمة قريباً، بقيادة المدير العام المهندس فيصل هشام البرير، الإداري الناجح والمنفتح على الجميع، الذي أسهم بدوره المؤهل في تحقيق نجاح المستشفى وتميّزه،رجلٌ جمع بين المعرفة والخبرة، وبين الحزم والإنسانية، يقود فريقه بثقةٍ واتزانٍ، وينتظر منه أن يُعيد (رويال كير) إلى سابق عهدها، منارةً للعلاج وواجهةً مشرقةً للطب الحديث في السودان.
بهذه الرؤية المتصلة، تمتد أعمال الدكتور معتز عبر مجموعة MBR، المؤسسة الدولية التي تملك حضوراً واسعاً في السعودية ومصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا، وتعمل في مجالات التعليم والصحة والطاقة والمعادن والعمل الخيري،إنها ليست مجرد مجموعةٍ اقتصادية، بل مشروع إنسانيّ يرى في التنمية وسيلةً لخدمة الناس لا لاستنزافهم.
لكن خلف كل هذه الإنجازات وجهٌ آخر لا يقل إشراقاً: وجه الإنسان الذي يسكن معتز البرير، فهو رجلٌ ممدود اليد بالخير في زمن الشح، يعطي بصمت، ويواسي بكلمة، ويتعامل في جامعته ومستشفاه بروحٍ مفعمة بالإنسانية، لا يفرّق بين طالبٍ ومحتاج، ولا بين مريضٍ وفقير، فالجميع عنده في مرتبةٍ واحدة هي مرتبة الكرامة،ولعلّ ما قاله بلبل الشمال الغريد محمد النصري يصفه خير وصف حين تغنى: (مطرك بيسقي بلا خريف ..ينشره في الوديان غمام.. كل الصفات الحلوة فيك… ما انت وافي على العموم..شمسك بتشرق كل يوم…)..كلماتٌ تُشبه معتز البرير في نقائها وصدقها، فهو رجلٌ يشرق في محيطه بالعمل والإلهام، ويؤمن أن من وهبه الله القدرة على العطاء لا يحق له أن يبخل بها على الناس.
وإلى جانب كل ذلك، يبرز معتز البرير كاتباً وروائياً واعداً، يكتب بعين رجل الأعمال ووجدان المثقف، في كتابيه “أسرة البرير: مائة وعشرون عاماً من العطاء” و“ تاريخ جامعة التقانة.”، يمارس نوعاً نادراً من الكتابة التوثيقية التي تمزج بين الصدق والدفء، بين الذاكرة الخاصة والتاريخ العام،لغته مشغولة بعناية، هادئة النبرة، تتقد بالحس الإنساني وتفيض بحب الوطن،وفي قراءتي له، وجدت معتز البرير لا يوثّق فحسب، بل يؤرّخ للذاكرة السودانية بعين من عاشها وضمير من أحبّها،يكتب كما يبني: بإتقانٍ وصبر، ويحوّل السيرة العائلية إلى مرآةٍ للوجدان الوطني.
هكذا تتكامل ملامح الصورة: رجلُ تعليمٍ وصحةٍ وثقافةٍ وإنسانية، وصوتٌ يكتب التنمية كما يكتب الأديب روايته،مشروعه واحدٌ في جوهره وإن تعددت أوجهه؛ أن يبقى السودان قادراً على النهوض بأبنائه، وأن تظل الكلمة والعمل وجهين لرسالةٍ واحدة..إنه معتز البرير، رجلٌ يصالح الذاكرة بالحياة، ويترك في كل ما يفعل أثراً من نورٍ لا يخبو.
وهج الكلم د.حسن التجاني الي فاشر السلطان تقودني روحي ثم احساسي..الحلقة (9)..!!
لن تنهزم فاشر السلطان باذن الله … يكفيها صمودها حتي اللحظة رغم صعوبة الحياة التي قاد…