السودان بين صمت العالم ومسؤولية القانون الدولي بقلم:د.النذير إبراهيم محمد أبوسيل المستشار القانوني الدولي لتسوية المنازعات إلى السودان

المستشار الاستراتيجي ومسؤول ملف السودان للتنمية المستدامة
السفير الفخري لمنظمة UNASDG
مقدمة
أين يقف الضمير الإنساني؟ وأين هي مواد القانون الدولي الإنساني التي خُطّت بدماء ضحايا الحروب والنزاعات لتمنع تكرار المآسي؟
إنّ ما يحدث اليوم في السودان ليس مجرد صراع مسلح، بل هو انتهاك سافر لكل مبادئ الشرعة الدولية، وامتحان حقيقي لمصداقية المنظومة العالمية التي أُنشئت لحماية الإنسان، لا لتبرير الجرائم أو الصمت عليها.
منذ اندلاع الحرب التي أشعلتها مليشيا ال دقلو الإرهابية، بدعمٍ مالي وعسكري وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة، يشهد السودان جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب موثّقة بالصوت والصورة — من قتلٍ وتصفيةٍ عرقية، واغتصابٍ جماعي، ونهبٍ منظم، وتدميرٍ ممنهج للبنية التحتية، وصولاً إلى تهجير ملايين المدنيين داخل السودان وخارجه.
أولاً: البعد القانوني الدولي
وفقاً لأحكام اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، ومواد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، فإنّ كل هجومٍ موجَّه ضد السكان المدنيين أو البنية التحتية المدنية يُعد جريمة حرب تستوجب الملاحقة الدولية.
كما أن القتل العمد، والاغتصاب، والاختفاء القسري، والتهجير القسري الجماعي تندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم.
وتحظر المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة أو دعم جماعات مسلحة ضد دولةٍ ذات سيادة، وهو ما تمارسه بعض الدول الإقليمية التي تمدّ هذه المليشيا بالسلاح والتمويل، في انتهاكٍ صارخ لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
أما وفقاً لأعراف القانون الدولي الإنساني (Customary IHL)، فإن الدول التي تموّل أو تسلّح أو توفر غطاءً سياسياً لأطرافٍ ترتكب جرائم حرب، تتحمل مسؤولية دولية مباشرة عن أفعالها. وهذا يضع دولة الإمارات العربية المتحدة في موضع المساءلة القانونية الدولية باعتبارها شريكاً في الجرائم التي ترتكبها مليشيا ال دقلو الإرهابية بحق الشعب السوداني.
ثانياً: البعد الإنساني والمجتمعي
السودان اليوم يواجه أسوأ أزمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين:
• أكثر من 12 مليون نازح داخل البلاد، وقرابة 4 ملايين لاجئ في دول الجوار.
• تدمير ممنهج للمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والبنية المدنية.
• استخدام الاغتصاب كسلاح حرب، واستهداف متعمد للأطفال والنساء وكبار السن.
• انهيار كامل في سلاسل الإمداد الإنساني، وتعطيل متعمد لوصول الغذاء والدواء إلى المحتاجين.
هذه الجرائم ليست مجرد “تجاوزات” — إنها سياسة إبادة جماعية وتطهير عرقي ممنهج، تُدار بتمويل وتسليح خارجي وتواطؤ صامت من المجتمع الدولي.
ثالثاً: مسؤولية المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية
إن الصمت الدولي على ما يحدث في السودان يُعد تواطؤاً أخلاقياً وقانونياً.
وعليه، فإنّ على الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية أن يتحركوا فوراً عبر الخطوات التالية:
1. عقد مؤتمر دولي عاجل تحت رعاية الأمم المتحدة لبحث الوضع في السودان، وإدانة المليشيا الإرهابية وداعميها علناً.
2. تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لتوثيق الانتهاكات ومساءلة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
3. فرض عقوبات فعّالة وشاملة على الأفراد والكيانات التي تموّل أو تسلّح المليشيا، وتجفيف منابع الدعم الخارجي.
4. إرسال بعثة مراقبة دولية لحماية المدنيين والإشراف على إيصال المساعدات الإنسانية بأمان.
5. دعم عملية إعادة الإعمار والتنمية المستدامة في السودان، وتمكين مؤسسات الدولة الشرعية من استعادة وظائفها الحيوية.
6. إطلاق برنامج دولي لإعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية، مع توفير الضمانات الأمنية والدعم المعيشي.
رابعاً: نداء إلى الضمير الإنساني العالمي
إنّ مأساة السودان ليست أزمة داخلية فحسب، بل وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.
فكيف يُترك بلدٌ من أعرق بلدان إفريقيا والعالم العربي يُحرق أمام أعين العالم، بينما تُستخدم المعونات السياسية والمالية لتمويل القتلة والمجرمين؟
لقد آن الأوان ليتوقف هذا العبث،
وآن للعالم أن يعلن بوضوح: لا شرعية للإرهاب، ولا حصانة للمجرمين، ولا صمت على الدماء البريئة.
إنّ السودان عضوٌ فاعل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وله مساهمات كبيرة في مجالات التنمية، وحفظ السلام، والعمل الإنساني. ومن حقه على المجتمع الدولي أن يُعامله بما يليق بشعبه وتاريخه، لا أن يُترك رهينة لمرتزقة الإرهاب والمصالح الضيقة.
خاتمة
إنّ العدالة ليست خياراً سياسياً، بل التزام قانوني وأخلاقي.
وإنّ إنقاذ السودان اليوم هو اختبارٌ حقيقي لضمير العالم، ولقدرة النظام الدولي على حماية الشعوب من التوحّش والعدوان.
لن يرحم التاريخ أولئك الذين صمتوا،
ولن يغفر الشعب السوداني لكل من مدّ سلاحاً أو مالاً أو صمتاً إلى يدٍ غارقة في الدماء.
فلنُعلِ صوت القانون والحق والإنسانية،
ولنعمل معاً من أجل استئصال مليشيا ال دقلو الإرهابية، وإحلال سلامٍ دائمٍ، وعدالةٍ ناجزة، وتنميةٍ مستدامة تعيد للسودان مكانته وهيبته بين الأمم.
للحقيقة لسان رحمة عبدالمنعم «واشنطن تسمع.. والسودان يقرر»
يكتنف الغموض حقيقة الأنباء المتداولة عن انطلاق مفاوضات غير مباشرة بين الجيش وميليشيا الدعم…





