للحقيقة لسان رحمة عبدالمنعم «واشنطن تسمع.. والسودان يقرر»

يكتنف الغموض حقيقة الأنباء المتداولة عن انطلاق مفاوضات غير مباشرة بين الجيش وميليشيا الدعم السريع في العاصمة واشنطن، بوساطة من الإدارة الأميركية، وسعيٍ من الآلية الرباعية لإحياء مسار جدة، وبينما نفى مجلس السيادة رسمياً أي وجود لمحادثات من هذا النوع، تتقاطع تقارير دبلوماسية وإعلامية متعددة لتؤكد أن لقاءات محدودة تجري بالفعل خلف الأبواب المغلقة، في مسعى لاختبار المواقف قبل أي خطوة معلنة.
لكن، إن صحت هذه الأنباء، فإنها لا تُغيّر في جوهر الموقف السوداني شيئاً،فالجيش بقيادته الحالية، حدّد منذ وقتٍ مبكر شروطه الواضحة لأي عملية تفاوض، وهي شروط تمثل إرادة الدولة لا مزاج الأفراد، وقد عبّر عنها القائد العام، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في أكثر من مناسبة، آخرها تصريحاته بمدينة عطبرة قبل أيام، حين قال: «لن نتراجع عن العهد الذي قطعناه مع الشعب،الرباعية أو غيرها، كل من أراد أن يتفاوض معنا بما يصلح حال السودان وينهي هذه الحرب بصورة تعيد للبلاد كرامتها ووحدتها وتُبعد عنها كل احتمال للتمزق؛ فنحن نمضي معه».
في تلك الكلمات، تتجلى رؤية القيادة العسكرية بوضوح: التفاوض ليس غاية في ذاته، بل وسيلة مشروطة بتحقيق أهداف الحرب التي يخوضها الجيش دفاعاً عن وحدة السودان وكرامة شعبه،ومن هنا، فإن أي محادثات – إن كانت فعلاً قد بدأت – لن تفضي إلى عودة الدعم السريع إلى معادلة السلطة، ولا إلى منح الميليشيا دوراً سياسياً في مستقبل البلاد، كما يطمح بعض الوسطاء الدوليين.
فالموقف الذي حمله البرهان إلى لقائه الأخير مع كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية والشرق الأوسط، مسعد بولس، بحسب ما نقلت صحيفة( السوداني،) جاء واضحاً: أي اتفاق سلام سيكون وفق شروط الدولة والشعب السوداني، لا وفق إملاءات خارجية،وأكد البرهان في ذات اللقاء أن الشعب السوداني «لن يرضى بأي وجود أو دور سياسي للميليشيا بعد الجرائم التي ارتكبتها منذ بداية الحرب، والتي ما زالت تمارسها في مدينة الفاشر حتى الآن».
في المقابل، يلتزم الصمت جناح الميليشيا، وربما ينتظر ما يمكن أن تفرزه الضغوط الدولية، أو ما إذا كانت الحرب ستمنحه موطئ قدم جديداً على رقعة السياسة، غير أن الواقع في الميدان، وما ارتكب من فظائع، يجعل من فكرة إعادة دمج هذه القوة في الجيش أمراً مستحيلاً سياسياً وأخلاقياً.
الولايات المتحدة – كما تشير التسريبات – تسعى لمعرفة ما تبقّى من نقاط التلاقي الممكنة، بعد أن جمدت حرب الخرطوم كل أفق سياسي،لكنّ التجارب القريبة علّمت السودانيين أن كل سلام لا يستند إلى عدالة ولا يحمي السيادة، يصبح مجرد هدنةٍ هشةٍ قبل انفجارٍ جديد.
ولا أحد في السودان يرفض السلام. فالجيش، كما قال قائده، لا يحارب من أجل الحرب، بل من أجل أن تنتهي الحرب بشرف، سلام الشجعان هو السلام العادل، الذي يقتصّ من كل مجرمٍ، ويردّ لكل مظلومٍ حقّه، ويؤسس لوطنٍ لا مكان فيه للسلاح خارج مؤسساته، ولا سلطة فيه إلا لسيادته.
فإن صحت المفاوضات في واشنطن، فالأرجح أنها مجرد فصل جديد من فصول الضغط السياسي، لا بداية لتسويةٍ حقيقية، أما السلام الذي ينتظره السودانيون، فهو سلامٌ يُكتب في الخرطوم لا في العواصم البعيدة، وتوقّعه أيادٍ نظيفة لا تلطخها دماء الأبرياء.
شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر السودان.. بوابة العبور إلى الاقتصاد الرقمي
Ghariba2013@gmail.com تخطو الحكومة السودانية خطوات استراتيجية ومفصلية نحو دم…





