للحقيقة لسان رحمة عبد المنعم «أركو مناوي».. عبث التصريحات

من المؤسف أن تتخذ الكلمة طريقاً بلا فرامل، خصوصاً إذا خرجت من فم مسؤول في مقام حاكم إقليم دارفور، وقائد فصيل مسلح ظلّ لسنوات يرفع شعار “التحرير” بينما يمارس كل ما يعاكس معناه..في تصريحات خطيرة أطلقها مني أركو مناوي مؤخراً، بدا الرجل متأرجحاً بين فضح ما أسماه “مؤامرة دولية” لتقسيم السودان، والدعوة في الوقت نفسه للتواصل مع المليشيا التي ساهمت فعلياً في إشعال هذه المؤامرة،قال مناوي: “ليس هناك ما يمنع التواصل مع الدعم السريع وتحالف صمود”، وهو كلام كان يمكن فهمه في سياق مساعٍ للحل الوطني، لو لم تكن ذات المليشيا قد ارتكبت المجازر في الجنينة ونيالا وزالنجي والخرطوم والجزيرة، ونكّلت بأهالي الإقليم نفسه الذي يحكمه مناوي.
ثم عاد وتحدث عن مكالمة تلقاها من سفير “دولة كبرى” في بداية الحرب، يعرض عليه فيها تصوراً لتكوين ثلاث حكومات في السودان، نبرة التحذير التي جاءت في هذا التصريح تستحق الوقوف، لكن التناقض هنا يقتل الجدية: إن كان مناوي يعارض هذا التقسيم، فكيف يبرّر تفاهمه مع من يقيمون سلطة أمر واقع بقوة السلاح في دارفور وأجزاء من كردفان؟ أليس ذلك تصديقاً عملياً على مشروع التقسيم الذي يدّعي رفضه؟
لقد أصبحنا أمام رجل يضيء قنبلة بيده اليمنى ثم يحذر من انفجارها بيده اليسرى،تصريحات مناوي الأخيرة لا تبني وطناً، بل تفتح شهية الطامعين، وتُربك الداخل السوداني الذي يئن من حرب كارثية منذ أكثر من عامين،أما تحميله للمسؤولين الكبار “قصر النظر والتركيز على الخرطوم فقط”، فهو تبسيط مخلّ للواقع، إذ إن الدولة تقاتل اليوم في دارفور وكردفان على أكثر من جبهة، لاسترداد الأراضي من مليشيا متمردة أعلنت قيام حكومة موازية من نيالا لم تجد ترحيباً من أحد، بل فجّرت خلافات داخلية حتى في صفوف الحاضنة الاجتماعية التي كانت تراهن عليها.
الحكومة، رغم ضغوط الحرب، لم تنس دارفور ولا كردفان، بل تعتبر معركة استعادة السيادة فيهما أولوية لا تقل عن الخرطوم، الواقع الميداني يشهد بذلك، والمواقف الرسمية تؤكده، فلمَ هذا التهويل الخطابي والتشكيك في النوايا الوطنية؟
كان من المفترض أن يكون مناوي صوتًا لأهله، لا صوتاً يتقاطع مع مليشيات صنعت الخراب في الفاشر والجنينة، كان يمكن أن يكون معارضاً وطنياً، لا ناشطاً في سوق الولاءات الدولية، وكان الأجدى به – وهو يتحدث عن “السفير والدولة العظمى” – أن يسأل نفسه: ما الذي يجعل العالم يفكر بتقسيم السودان؟ أليست هشاشة نخبه وتناقضات قادته هي الوقود الذي يشعل هذه النوايا؟
السودان لا يحتاج إلى تصريحات نارية بقدر ما يحتاج إلى مواقف وطنية واضحة، فإمّا أن تقف مع وحدة البلاد أو مع مشروعها التفكيكي، ولا يمكن الوقوف في المنتصف، لأن ذلك هو موقع الخيانة الوطنية – مهما تُجمّل بالأعذار.
مناوي مطالب اليوم بأن يضبط لسانه قبل أن تنزلق البلاد كلها إلى هاوية يصعب الخروج منها، ومطلوب من الإعلام السوداني ألا يمرر هذه التصريحات ببرود، بل أن يحاسب قائلها بما تستحقه من النقد والتمحيص، السودان اليوم لا يملك رفاهية التناقضات، ولا يحتمل المزيد من الأصوات التي تساوي بين الجلاد والضحية، فإن كان الصمت في لحظة الخطر خيانة، فإن الكلام المرتبك في لحظة الوعي خيانة مضاعفة.
إسناد تستعرض تجربة الجزيرة في التعايش السلمي بعد الحرب
استضافت مبادرة إسناد لدعم السودانيين المتأثرين بالحرب، في منتداها الشهري، البروفيسور عبد ا…