‫الرئيسية‬ مقالات شئ للوطن م.صلاح غريبة- مصر مفتاح صمود السودان يكمن في تعميق ثقافة الإدارة الاستباقية
مقالات - ‫‫‫‏‫أسبوع واحد مضت‬

شئ للوطن م.صلاح غريبة- مصر مفتاح صمود السودان يكمن في تعميق ثقافة الإدارة الاستباقية

شئ للوطن  م.صلاح غريبة- مصر  مفتاح صمود السودان يكمن في تعميق ثقافة الإدارة الاستباقية

Ghariba2013@gmail.com

يأتي اليوم العالمي للحد من مخاطر الكوارث في 13 أكتوبر من كل عام ليذكّر العالم بأهمية التحول من ثقافة الاستجابة بعد وقوع الكارثة إلى ثقافة الوقاية والتأهب قبل حدوثها. وفي سياق بلد مثل السودان، الذي يعاني من أزمات متعددة ومخاطر طبيعية وبشرية متفاقمة – من فيضانات مدمرة وجفاف متكرر إلى نزاعات وحروب أهلية – فإن تعميق ثقافة إدارة الكوارث لا يُعد رفاهية بل هو ضرورة قصوى لضمان بقاء وسلامة مجتمعاته ومستقبله التنموي.

السودان يقف على مفترق طرق المخاطر. فالمخاطر الطبيعية كفيضانات النيل الموسمية التي تترك وراءها دمارًا هائلاً، والجفاف الذي يهدد الأمن الغذائي، والسيول تتشابك مع مخاطر من صنع الإنسان كالصراعات التي تشرد الملايين وتدمر البنية التحتية. يكمن الخطر الأكبر في أن التعامل مع هذه الأحداث لا يزال غالبًا يعتمد على رد الفعل اللحظي والجهود الإغاثية المؤقتة، بدلاً من التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد. هذا النهج يكلّف الدولة والمجتمع ثمناً باهظاً، لا يقتصر على الخسائر البشرية والمادية المباشرة، بل يمتد ليشمل تراجعاً تنموياً يطيل أمد المعاناة.

رد الفعل يركز على تجميع المساعدات والإنقاذ، وهو عمل إنساني نبيل ولكنه غير مستدام لوحده. إن عدم وجود ثقافة راسخة لإدارة الكوارث يجعل كل أزمة جديدة تطيح بمكاسب التنمية السابقة، وتزيد من هشاشة المجتمعات الأكثر تعرضًا.

إن المطلوب في السودان هو نقلة نوعية في التعامل مع الكوارث، تبدأ من القاعدة وتصعد إلى أعلى هرم السلطة. هذا التحول يجب أن يرتكز على ثلاث ركائز أساسية وهي الوعي المجتمعي والتعليم ، فيجب دمج مفاهيم الحد من مخاطر الكوارث في المنظومة التعليمية وفي حملات التوعية العامة. لا يمكن أن تنجح أي خطة وطنية دون فهم المواطن العادي لدوره. يجب تدريب الأفراد والمجتمعات على نظم الإنذار المبكر بفهم إشارات الخطر وكيفية الاستجابة الفورية لها، خاصة فيما يتعلق بالفيضانات، ووضع خطط الإخلاء والسلامة لمعرفة نقاط التجمع الآمنة وكيفية تأمين الممتلكات الأساسية، ثم البناء القادر على الصمود بتشجيع الممارسات المعمارية والزراعية التي تقلل من آثار الكوارث، مثل بناء المنازل المقاومة للفيضان أو استخدام تقنيات حصاد المياه لمقاومة الجفاف.

تحتاج البلاد إلى هيئة وطنية موحدة ومُمكَّنة لإدارة الكوارث، تتجاوز تشتت المسؤوليات الحالي بين الهيئات الحكومية المختلفة. يجب أن يكون لهذه الهيئة سلطة التنسيق والقدرة على ربط جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية (الجيش، الشرطة، الدفاع المدني، منظمات المجتمع المدني، القطاع الخاص)، بجانب الميزانية الكافية بتخصيص تمويل استباقي للاستثمار في البنية التحتية الوقائية، مثل السدود الترابية، وتحسين قنوات الصرف، وتحديث أنظمة الرصد الجوي. فـ “الوقاية خير العلاج”، والاستثمار في الحد من المخاطر يوفر أضعافه عند وقوع الكارثة، مع الاهتمام بالبيانات والتحليل بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة ونظم المعلومات الجغرافية (GIS) لتقييم المخاطر وتحديد المناطق الأكثر عرضة لها، مما يوجه الاستثمارات الوقائية بدقة.

تعزيز دور الشباب والمجتمع المدني، ففي السودان، لعبت آليات التطوع المجتمعي التقليدية (كالـ “نفير” و “الفزع” و”التكايا”) دوراً حيوياً في الاستجابة للكوارث. يجب العمل على دمج هذه الآليات الفعالة والمحلية مع الأطر المؤسسية الحديثة. الشباب، وحيويتهم واقبالهم على التكنولوجيا، هم قوة الدفع نحو مستقبل أكثر صمودًا. ينبغي تمكينهم من المشاركة في صياغة خطط الإدارة المحلية للكوارث واستخدام التكنولوجيا لإيصال رسائل الإنذار المبكر والتوعية، وقيادة جهود التعافي المستدامة التي تركز على إعادة البناء بشكل أفضل وأكثر مرونة.

إن الاحتفال باليوم العالمي للحد من الكوارث ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو دعوة لـ إعادة تقييم أولوياتنا الوطنية. بالنسبة للسودان، فإن تعميق ثقافة إدارة الكوارث يعني في جوهره الانتقال من وضع الضحية المتلقي للإغاثة إلى وضع الصانع والمخطط للمستقبل. لا يمكن بناء سودان مستقر ومزدهر دون الاعتراف بأن إدارة الكوارث هي جزء لا يتجزأ من التنمية المستدامة والأمن القومي. يجب أن يصبح التأهب ثقافة يومية، مسؤولية مشتركة، وواجبًا وطنياً يضمن صمود الأجيال القادمة أمام تحديات الطبيعة وتقلبات الزمن.

‫شاهد أيضًا‬

الوطني: لا وصاية أجنبية على السودان.. وسنقف مع الجيش حتى نهاية التمرد

أجمع قادة حزب المؤتمر الوطني خلال اللقاء الاسفيري المفتوح مساء امس بعنوان مناهضة الاستهداف…